لعلَّ من أفضل ما عُرِّفت به الجريمة في الفقه الإسلامي أنها أي الجرائم محظورات شرعية زجر عنها الله سبحانه وتعالى بحدود أو تعزيرات تجيء حقاً لله سبحانه وتعالى فالجرائم عموماً في الفقه الإسلامي نوعان إذن: جرائم حدية.. وجرائم تعازير أي غير حدية. والجرائم الحدية هي جرائم عادة موجهة ضد الصالح العام ولها عقوبات مقدرة ومحددة في الشرع وهي بالإجماع سبع جرائم هي: السرقة الحرابة الزنا شرب الخمر القذف البغي الردة. ويخرج من هذه الجرائم جريمة القتل التي تكون العقوبة فيها حقًا لأولياء الدم يجوز العفو فيه وذلك لأن الحدود حسب التعريف هي حقوق واجبة لله تعالى لا يجوز فيها العفو.. لذلك عندما جاء أسامة ابن زيد مستشفعاً في المخزومية التي سرقت كان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟!، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها.. والغريب أن المخزومية لم تكن تسرق السرقة المعلومة من الحرز بالشروط والأركان المتوفرة في السرقة الحدية. ولكنها كانت تستعير الماعون والآنية والأشياء من أصحابها ثم تجحدها وهو الأشهر فألحق عملها هذا بالسرقة الأصلية لأن الحرز المقصود هنا هو الأمان والعرف والعادة وهذه قد خرقت كل هذه وأفسدت على الناس. وإذا كان الإفساد في الأرض عُدَّ من ضمن جريمة الحرابة التي يوقع عليها حد الحرابة وقد ورد في نفس الآية: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً» والفساد ترجم هنا هو تقطيع الدراهم. فإذا كانت الواو في الآية للتفسير فلا يكون للسرقة من المال العام حكم الحرابة وإذا كانت الواو للمغايرة فلا يخرج الإفساد من حكم الحرابة إلا بدليل. أقول كل هذا لأجيب عن السؤال المهم هل التنصير جريمة حدية أم تعزيرية؟ إن التنصير هو مشاركة في ارتكاب جريمة حدية هي جريمة الردة وحد الردة هو أكبر الحدود وأخطرها على الإطلاق.والتنصير إذا حدث بتحريض من نصراني ذمي أو مستأمَن فهو من الجرائم التي تقتضي نقض الذمة فيجمع جريمتين في آن واحد. إن المشاركة في السرقة توجب الحد على اللصين.. والمشاركة في القتل توجب القصاص على القتلة «وإن اجتمعوا عليه أهل صنعاء» كما ورد في الأثر. فإن الإغراء والتحريض والغش والإعانة على الردة يجب أن يكون حكمها أشد وأقسى من كلمة المرتد لأن المرتد إذا استتيب فتاب فلا شيء عليه.. أما المحرض على التنصير فلا عهد له ولا بقاء له ولا أمان ولا جزاء له إلا القتل إلا ألا يعثر عليه في دار الإسلام. أما إذا اجتمعت جرائم التنصير والخطف والخلوة المحرمة بمسلمة بزنا أو باسم نكاح فهذه من أغلظ الجرائم وأشدها.. وسنعود إلى هذه القضية بتفصيل. { لا يا حضرة الأنبا زعموا أن وفدًا من الأقباط بقيادة الأنبا ايليا وأنبا أم درمان زار الأخ والي الخرطوم معتذرًا بأن الفتاة المسلمة نُصِّرت بعمل فردي لا يطول الطائفة. ونحن نقول للأنبا.. كلا.. وألف كلا.. فالمتوفر عندنا لا يدل على أنه عمل فردي.. بل هو عمل جماعي منظم ومخطَّط له ومدبَّر ومنفَّذ بتناغم عجيب.. والبينات موجودة. ثم إن فتاة نُصِّرت.. هذه حقيقة وواقعة لا يمحوها الاعتذار.. ولا يمحوها الاعتذار للوالي ولا لغيره.. فهي جريمة تطول الحق العام.. والحق العام لا بد فيه من إقامة الحد ولا بد من القصاص.. والوالي ليس له الحق في قبول الاعتذار لأن هذه جريمة نكراء والوالي ليس مختصاً بالحكم فيها ولا بالتنازل عن الحق فيها ولسوف نعود إلى هذه المحاولة بالتفصيل. ومع ذلك فلا يفوتني أن أذكِّر بأن الأمر كله لا يزال في يد الدولة وأن أية عقوبة لا توقع إلا بواسطة الدولة ولا يجوز لأحد أن يأخذ القانون بيده وليس صحيحاً أن الحد يمكن أن يقيمه أي شخص إلا إذا أُهدر دم الجاني مثل الذمي الذي وقع على مسلمة على قارعة الطريق فأهدر الخليفة دمه. إن الجرم الذي ارتكب كبير وخطير ويقلل من شأنه ومن خطورته أن يقوم متشدِّد أو مندفع أو متعجِّل بأخذ القانون بيده وارتكاب حماقة تطول أي فرد من الجالية القبطية. إن الذي نسعى إليه أن تأخذ الدولة الأمر بقوة وأن توقع العقوبة اللازمة على المجرم أياً كان وضعه وأياً كانت رتبته. إن قيام الدولة بدورها كاملاً يؤسس لعلاقة طبيعية بين أهل السودان.. وذلك يكون بشرط أن يقبل أهل الطائفة القبطية بالعقوبة التي توقع على كل من شارك في الجريمة.. ولكن عقوبة سلطانية مقننة ومنفذة حسب ما يقتضي الشرع.