قبل أن نحكي الطرفة التالية نشرح لأولاد الخرطوم كلمة «زرزور» وهو نوع صغير جداً من الطيور بعضمهم يسميه «ود أبرق» وغالباً ما يطير في جماعات ويغزو حقول الذرة ويسبب لها التلف الكبير.. والأطفال الصغار ينصبون له الشراك للقبض عليه ولكن لحمه قليل جداً ولا يفيد كثيراً ولكي «تعمل ملاح» في حلة متوسطة تحتاج إلى مائة زرزور أو يزيد.. والاسم العلمي اللاتيني للزرزور «كويليا إثيوبيكا» وأعتقد أن إثيوبيكا المقصودة ربما كانت هي بلاد السودان.. خلاص كده فهمتو يا أولادنا بتاعين نمرة اثنين؟؟!.. ونرجع للطرفة التي تقول إن صديقنا دكتور أبو القاسم سيف الدين الغاباتي المعروف والناشط في مجال الصمغ العربي كان موظفاً صغيراً «زمان» وكان مكلفاً بأن «يحوم» مع أحد الخواجات بصحبة عربة اسمها «الكومر» بريطانية الصنع استجلبتها الحكومة البريطانية عندما كانت تستعمر السودان وتوقفت عن إنتاجها الشركة التي كانت تنتج معها سيارة نصف نقل اسمها لاندروڤر والذي يبدو أنه لا يزال يعمل بمشروع الجزيرة.. وأخونا أبو القاسم والخواجة يجوبون الغابات ويبحثون عن مكان ينزلون به ويكون قريباً من مصدر للمياه وشجرة ظليلة للقيلولة.. وبعد جهد وبحث شاهدوا مجموعة من الناس تلتف حول «قعر» شجرة كبيرة فاستأنسوا بهم وتوجهوا نحوهم لكي ينزلوا بجوارهم. وكان الناس يقومون بشواء زرزور على الجمر ويحيطون به من كل الجوانب.. وسلموا عليهم فلم يردوا السلام وصاحوا فيهم بالصوت العالي «يا جماعة عايزين نقيِّل معاكم».. والجماعة لم يردوا عليهم ظناً منهم أنهم سوف يقاسمونهم وجبة الزرزور على قلتها وظلوا «مدنقرين» وملتفين حول الزرزور.. ونزل الخواجة ونزل أبو القاسم ونزل الطبّاخ في ظل نفس الشجرة والجماعة «الرافضة» و«المعارضة» تنظر إليهم وأنزلوا خروفاً من الكومر وأنزلوا عدة المطبخ وباقي عدة «الشغل» من طرابيز و«مناقد» والحلل والكبابي و«الجكاكة» والأباريق.. وسراير الحديد والمفارش. وخلال خمس دقائق كان المسرح قد تم إعداده وكأن هناك احتفالاً سيتم، وقام الطباخ بذبح الخروف ورفعه للسلخ على أحد فروع الشجرة وأوقد النار ووضع الصاج وجهّز المرارة.. والجماعة «بتاعة الزرزور» «المعارضة» و«الرافضة» تنظر إلى هذا التطور المفاجئ.. وبالطبع انزعج أصحاب الزرزور وأحضروا زرزورهم المشوي وحاولوا الانضمام إلى مجموعة الخروف وحلفوا عليهم «بالطلاق» أن يتذوقوا من زرزورهم واعتذروا عن عدم الاحتفاء بهم ابتداءً.. وأصروا وألحوا إصراراً على «المشاركة».. وبالطبع جاء ذلك بعد فوات الأوان.. وأول أمس احتفلت الحكومة بعيد الاستقلال وتوّجته بافتتاح تعلية خزان الروصيرس وكأنها تقدم خروفاً ولتضيف مياهًا كثيرة لدعم خزان مروي وتروي مساحات إضافية أكبرمن مشروع الجزيرة وتفتح المجال لإنشاء ترعتي الرهد وكنانة لتصل مياه النيل الأزرق حتى القضارف وتضيف قدراً من الكهرباء وفي نفس اليوم في ذات الوقت الذي تحتفل فيه الحكومة وتُدخل الفرح والطمأنينة على مواطنيها تقوم المعارضة بإعلان الثبور وعظائم الأمور ويعلن زعماؤها بمختلف انتماءاتهم من حركات متمردة وجبهة ثورية وجبهة منكودة وأخرى منحوسة وثالثة تعيسة موالية للجنوبيين وعلى لسان قادتها وعلى رأسهم فاروق أبو عيسى يقولون إنهم يعدون العدة لإسقاط النظام والهجوم على الوطن وتدمير شعبه وبنياته الأساسية ما تم منها وما سيتم وبينهما تقدم الحكومة لشعبها خروفاً لم تتمكن المعارضة من تقديم «زرزور» ولم نسمع يوماً أن قادة التمرد القدامى أو الجدد أو الجبهة الثورية أو تجمع المعارضة المنكود على طول تاريخه الكئيب وتاريخ زعمائه التعيس أنه حفر بئراً أو بنى مدرسة أو فتح مستشفى أو أقام مزرعة ولم نسمع بقادته وهم يواسون جريحاً أو يزورون مريضاً أو يساعدون فقيراً أو يقيمون زواجاً أو حتى «يرفعون» الفاتحة في ميت.. وهذا ما يجعل الفرق بين الحكومة والمعارضة مثل الفرق بين الخروف والزرزور.. وبعد كل هذا تأمل المعارضة في أن تفوز في الانتخابات التي تدّعي مسبقاً أنها مزوَّرة.. وما زلت لا أفهم لماذا تضع المعارضة نفسها في خانة المحارب للوطن وخانة الحاقد على المواطن المتكالب على السلطة ولماذا لا يجد المعارضون شيئاً ذا قيمة فيما يصنع الآخرون مثل خزان الروصيرص، ومن المؤكد أن مثل هذه المعارضة ستفقد كل يوم وستفقد قطعاً مع افتتاح كل مشروع جديد وكما قال دكتور نافع لن «تضوق» السلطة حتى لو «لحست كوعها» أو «سوّت السبعة وذمتها». وبهذه المناسبة ما هي السبعة وماهي ذمتها؟!! ولماذا تريد المعارضة أن تأكل في خروف الحكومة ولا تقدم للمواطنين زرزوراً واحداً. { كسرة: إمّا أن سلفا كير قال الروب وضرب الجرسة ودقّ الروري وصار«يفنجط» من ضغط المجاعة فأعلن عن نيته سحب جيشه ومقابلة البشير أو أن الأمريكان «قالوا له يقول كده» والمطلوب أن يتأكد للحكومة سحب الفرقة التاسعة والعاشرة وفك الارتباط مع ناس عرمان وأن يحلف «طلاق» ألا يدعم التمرد وأن يقول الروب تاني.