ليس هناك من تحول مفاجئ كقفزة فوق كل الموانع، يمكن أن تفعله القمة التي انطلقت أمس بين الرئيسين عمر البشير وسلفا كير رئيس دولة الجنوب، في العاصمة أديس أبابا بمبادرة من رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين، قبيل انطلاق القمة الإفريقية التي تنعقد في غضون الأسابيع القادمة. ومثل هذه القمم لا يمكنها كشط وشطب ما تم التوصل إليه في اللجان التفاوضية بين وفدي البلدين، ولا اجتراح مسار جديد يهيل التراب على ما تم من قبل ويبدأ من سطر جديد. وكل المطلوب من هذه القمة هو التأكيد على الالتزامات والتعهدات السابقة التي أُبرمت في نهاية سبتمبر من العام الماضي، والنظر في أسباب تعثر تنفيذ الاتفاقيات الثماني التي وقعت في القمة الأخيرة بين الرئيسين والعقبات التي واجهتها.. فليس من المنتظر أن تأتي بما لم يستطعه الأوائل، ولا ينبغي لها كما تتوقع أطراف إقليمية ودولية وداخل دولة الجنوب، فقد ذكر لوكا بيونق القيادي في الحركة الشعبية والرئيس المشترك للجنة الإشرافية لأبيي في تصريحات له أمس «أن الرئيس البشير سيوافق على مقترح سلفا كير حول أبيي، لأنه لا يريد مواجهة مع المجتمع الدولي في حال إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي». فالقضايا واضحة ومطروحة أمام الرئيسين على طاولة القمة، وليس كما يتمنى لوكا بيونق وتسعى له قوى دولية وإقليمية، بالضغط على الخرطوم حتى تذعن وعلى البشير حتى يوافق!! فالاتفاقيات التي وقعت في «27» سبتمبر الماضي وفي مقدمتها الاتفاقية الأمنية وترتيباتها لم تُنفذ، ليس بسبب السودان وإنما لتعنت جوبا وعدم رغبتها في تنفيذها بفك الارتباط مع قطاع الشمال والفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تحاربان في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتوقف عن دعم الحركات المتمردة في دارفور، والانسحاب من المناطق المحتلة على الحدود داخل الاراضي السودانية، وتكوين المنطقة المنزوعة السلاح حزاماً أمنياً. وليس لدى البشير أكثر من القول الحاسم بأن كل الملفات الأخرى كالملف النفطي والاتفاقيات الاقتصادية وغيرها، لا يمكن تنفيذها والمضي قدماً فيها إذا لم يحسم الملف الأمني وتنفذ جوبا التزاماتها. هذا هو القول الوحيد الذي يمثل موقف السودان ورئيسه في هذه القمة، وإذا أرادت دولة الجنوب إنقاذ نفسها من حالة الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه اليوم والتوترات الأمنية والحروب الداخلية، فعليها أن تتجه بسرعة إلى تطبيق تعهداتها والكف عن لعبة الاستغماية التي تمارسها اليوم ولعب دور مخلب القط ضد السودان والاستقواء بقوى دولية وإقليمية للضغط على الخرطوم واستنزافها وإخضاعها. ومن الخطأ التصور أنه بمجرد التقاء الرئيسين، ستتغير الوقائع وتتبدل المعطيات وتتحول الأوضاع إلى غير ما هي عليه، فهناك التزامات على وجه الاتفاقيات وعقبات أعاقت تنفيذها، وكنا قد كتبنا هنا من قبل أن هذه الاتفاقيات لن تنفذها حكومة الجنوب بسهولة، ولن تتخلى عن عملائها في قطاع الشمال، والغريب أن كبير مفاوضيها باقان أموم قال إنهم لن يتخلوا عن قطاع الشمال!! وسلفا كير نفسه في يوم إعلان دولة الجنوب في 9/7/2011م، قال إنهم لن يتخلوا عن جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وأبيي ولن ينسوها!! لقد كان هناك ترصد وعناد من دولة الجنوب، بعدم فك الارتباط مع هؤلاء العملاء، وعدم الامتناع عن دعم حركات دارفور وما يسمى الجبهة الثورية، بالسلاح والعتاد والتدريب ومرور الدعومات القادمة من الخارج عبر أراضيها. ويمكن أن يحدث تقدم في لقاء البشير وسلفا، إذا توفرت إرادة حقيقية في دولة الجنوب، ونظرت لمصلحتها ومستقبلها وعلاقتها المستقبلية مع السودان، ولفظت العداوة المصطنعة، وفتحت الطريق أمام منافع يتوجب الحفاظ عليها. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.