من جملة (52) دولة أفريقية للسودان خمس عشرة سفارة في خمس عشرة دولة أفريقية. هل ذلك سبب أن تقوم الدبلوماسية الرئاسية بأدوار السفارات في الزمن الضائع أو بعد فوات الأوان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحصول على ما يمكن الحصول عليه من مكاسب للسودان؟. مأزق من العيار الثقيل تجابهه حكومة السودان التي تبدو أسيرة التعقيدات الشائكة، تلك المصاحبة لقضاياها العالقة مع دولة الجنوب، على كل المستويات، سواءً الداخلية أو الإقليمية أو الدولية، وبينما لا يزال السادة والمراقبون يقلبون نتائج القمة الأخيرة بين رئيسي البلدين البشير وسلفا كير، وكان مفاجئاً إلى حد ما ذلك الخبر الذي اوردته صحف الأمس، وفيه أن نائبي الرئيس علي عثمان محمد طه والحاج آدم يوسف، سيتوجهان لعشر دول من دول جنوب وغرب افريقيا، لشرح وجهة نظر الحكومة ومواقفها بشأن تنفيذ الاتفاقيات والمصفوفات الموقعة مع دولة الجنوب، وتشمل جولة طه كينيا تنزانيا، ليسوتو، زيمبابوي وجنوب إفريقيا، اما جولة يوسف فتشمل غانا، الكاميرون، ساحل العاج وغامبيا. معلوم أن أبرز قضايا الخلاف مع الجنوب يتمثل في أبيي والحدود والنفط والمنطقة الأمنية منزوعة السلاح وفك الارتباط بين دولة الجنوب والحركة الشعبية قطاع الشمال، ومحلياً تبدو أبيي أكثر الملفات تعقيداً، فهي وإن كانت قضية قومية من الدرجة الأولى، إلا أنها في وجهها الآخر تبدو محلية قحة، وتعود حيثياتها لقبيلة المسيرية التي استوطنت المنطقة قبل مئات السنين، واستضافت فيها قبيلة دينكا نقوك التي تسعى ومن ورائها حكومة دولتها إلى الاستحواذ على المنطقة وضمها لدولة الجنوب عبر استفتاء حدد موعده في أكتوبر الماضي، في الوقت الذي لا توجد فيه القبيلة أثناء ترحالها بين فصلي الخريف والشتاء في المنطقة، وخطورة قضية أبيي أنها اكثر الملفات المرشحة لانتاج الحرب بين البلدين مجدداً، فالمسيرية يرفضون الاستفتاء، كما انهم على قلب رجل واحد في إعلان الحرب متى ما بدت اية مؤشرات لاقتلاع منطقتهم لصالح الجنوب، أما عدم ضخ النفط فتتضرر منه جوبا اكثر من الخرطوم، الشيء الذي يبرر اهتمام المجتمع الدولي بهذا الملف والدعوة الى عدم ربطه بتنفيذ ملف الترتيبات الامنية الذي تقدمه الخرطوم في المرتبة الاولى على النفط، وذلك عبر البيان الذي اصدرته الترويكا »الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا والنرويج«، وطالبت فيه بعدم ربط تصدير النفط بالترتيبات الامنية، وذلك ما ترفضه الخرطوم، باعتبار أن عبور النفط سيهيئ للجنوب مساحة اكبر لدعم قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة على نحو اكبر مما هو عليه الآن، وفي ملف الحدود لم تقتصر جوبا على المناطق الخمس المختلف عليها »كفيا كنجي، المقينص وكاكا« لتضيف ست مناطق اخرى ادعت تبعيتها لدولتها. ولما كان الاتحاد الافريقي عبر لجنته العليا برئاسة ثامبو امبيكي هو الذي تولى التوسط بين دولتي السودان، فإن قرار مجلس السلم والأمن الافريقي في حيثيات ونتائج المفاوضات بين الطرفين له دور كبير جداً في خلافاتهما، فعقب مفاوضات سبتمبر الماضي التي جاءت على خلفية قرار مجلس الامن الدولي »2046« في مايو من العام الماضي، والتي أثمرت اتفاق التعاون المشترك، دون الاتفاق على قضية ابيي، نتجت عنها لاحقاً تكهنات قوية بأن مجلس السلم الافريقي في اجتماعه لتقييم نتائج القمة على الارض سيفضي الى إحالة ابيي الى مجلس الامن الدولي، ولكن وزير الخارجية علي كرتي الذي قام بجولات ماكوكية لدول القارة، صرح اعلامياً بأن ذهاب أبيي لمجلس الأمن قرار لن يرى النور، وقد كان، ولما كانت مخرجات مفاوضات سبتمبر لم تجد نفعاً، وبالتالي لم تتنزل الاتفاقيات على أرض الواقع، جراء عدم فك الارتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تحاربان في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق وفقاً لحكومة الخرطوم، قام رئيس وزراء إثيوبيا مريام هايلي ديسالين، بزيارة البلدين لتسويق رؤيته في اجتماع قمة ثانٍ بين الرئيسين عمر البشير وسلفا كير في اديس ابابا، وقد افضت القمة الى انشاء المنطقة منزوعة السلاح واتخاذ التدابير اللازمة لترسيم الحدود المتفق حولها بنسبة »80%«، ووعود من قبل سلفا كير بفك الارتباط، لم يحتف بها احد، ومنهم الكاتب الصحافي مكي المغربي الذي اشار في عموده »نهاركم سعيد« إلى أن فك الارتباط ليس رهيناً بتوقيع سلفا كير فقط، فلا بد من توقيع اولاد قرنق»باقان أموم، ياسر عرمان وغيرهم«، وأولاد ابيي وفي مقدمتهم بطبيعة الحال القيادي بالجنوب لوكا بيونق وإدوراد لينو وآخرون. وبالعودة إلى جولة نائبي الرئيس للوقوف على أبعادها والنتائج المرجوة منها، هاتفت »الإنتباهة« أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري عمر عبد العزيز، الذي أوضح أن غرض الجولات هو حشد الدعم الإفريقي لرؤية الحكومة السودانية حول ملفاتها العالقة مع دولة الجنوب، انطلاقاً من المخاطر المحتملة في حال اتجه مجلس السلم الإفريقي الى إحالة أبيي أو حتى اتفاق التعاون إلى مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن حديث سلفا عن فك الارتباط خالٍ من أية ضمانات، خاصة بعد الاعتداءات الجنوبية على منطقة سماحة على الحدود بولاية شرق دارفور، واصفاً زيارات النائبين بأنها أعلى مستوى دبلوماسي تقدمه الحكومة بعد الزيارات السابقة التي نفذها وزير الخارجية في القارة، وذلك في إطار هذه القضية، وهي محاولة إنقاذ الاوضاع اتقاءً لوقوع أية إحالة لمجلس الأمن الدولي، واستبعد عمر أن يكون هذا الجهد عنصراً فعالاً لصالح البلاد إذا أصدر المجتمع الدولي إشارته لجوبا بعرقلة تنفيذ الاتفاقيات، أو لرؤساء القارة الإفريقية في ما يلي الإحالة لمجلس الأمن، باعتبار أن الضغوط الغربية على دول القارة ستكون هي الأقوى مقارنةً بالدبلوماسية الرئاسية، خاصة أن دول جنوب القارة باستثناء إثيوبيا تساند الجنوب الذي تجمعها به مصالح كبيرة، وبسؤاله عما إذا كانت الحكومة تلعب في الوقت بدل الضائع، أشار إلى أن الحكومة فرطت في أبيي منذ عام 2004م عندما قبلت بأن يكون لها بروتكول خاص، كما فرطت فيها عندما قبلت بلجنة الخبراء التي أوكل إليها رسم حدودها. ويبقي أن ذلك التفريط الذي استمر لاوقات لاحقة، تمثلت بإجراء الاستفتاء دون حلحلة القضايا العالقة، قد اعترف به جهراً سفير السودان بدولة الجنوب مطرف صديق في الجلسة التي جمعته بشباب الحزب بقوله: »لقد تعاملنا مع كثير من القضايا بالعاطفة أكثر من العقل، مما أوجد الكثير من التبعات، ويا لها من تبعات«.