رغم تأكيدات الحكومة والبعثة نفسها بتحسن الأوضاع الأمنية في دارفور، وقرار مجلس الأمن الأخير القاضي بمراجعة وضعية البعثة بعد انقضاء أربع سنوات من عمرها، إلا أن حلقات مسلسل حوادث الاختطاف والقتل في أوساط تلك القوات لم تنته بعد، وظلت ردود فعل قيادة البعثة تجاه الاعتداءات المتكررة، لا تتجاوز حد الإدانة والشجب والمطالبة بضرورة إجراء تحقيق كامل وفوري في مواجهة الجناة وتقديمهم للعدالة. حوادث الاعتداء على اليوناميد في دارفور ليس بالأمر الجديد، فقد تعرضت البعثة منذ بداية عملها للهجوم المسلح من قبل مجموعات مجهولة الهوية، كان آخرها اختطاف منسوبيها في بعض الدول، تقاعس يوناميد عن حماية منسوبيها رغم التفويض الممنوح لها، ربما قصدت به يوناميد حسب مراقبين، التمهيد لدخول قوات أممية في دارفور، الأمر الذي رفضته الحكومة رفضاً قاطعاً. ودلل المراقبون على تحليلهم بأنه رغم الأحاديث المتكررة عن الخطف لم يكن هنالك أي اصطدام مباشر بين البعثة والعصابات المتمردة، ومن هنا تبرز أسئلة تستوجب الإجابة عنها، هل اختطاف الشخصيات المنسوبة للبعثة مدنية أم عسكرية؟ وإذا كانت مدنية، فلماذا لا تُوفر لها الحماية العسكرية اللازمة، وإن كانت عسكرية فهي كفيلة بحماية نفسها، إذن، هل يوناميد تعلم الجهة المختطفة؟ مهما كانت الإجابات، فقد وضح جلياً أن البعثة حذرة جداً ولا ترغب في الصدام المباشر مع الحركات المتمردة. وحسب المراقبين، أن المهمة الأساسية لأفراد البعثات أصبحت جمع المال فحسب، وكان ذلك خصماً على عملية السلام التي جاءوا لحفظها في الدولة المعنية، بل في كثير من الأحيان تتقوقع تلك القوات على نفسها بحيث تصبح فريسة سهلة للمتفلتين والحركات المسلحة المتفلتة وتكون مصادر سهلة لها للحصول على السلاح والإمداد. الصحافي والمحلل السياسي سيف الدين البشير، له رأي مختلف، وقال في حديثه ل«الإنتباهة» إن العصابات والحركات المتمردة أخذت أهدافها في تحقيق الانتصار تتلاشى يوماً بعد يوم، من جانبها أصبحت حركات التمرد تعمد إلى تعرية اليوناميد لإقناع المجتمع الدولي بقوة الحركات نفسها، مما يتيح الفرصة والمجال لدخول قوات أممية خاصة، ولأن الحركات المتمردة تميل لدخول القوات الأممية في دارفور لأنها سند لها في محاولاتها لإدانة الحكومة وتسليط السيف على رقبتها، ويرى سيف الدين أنه لا مناص من وجود يوناميد كتجربة إفريقية رائدة لحلحلة القضايا الإفريقية داخل البيت الإفريقي في ظل اعتقاد الغرب أن القوات الإفريقية تحت وصايته إلى جانب النظرة في أن أي متمرد إفريقي هو إرهابي عدا متمردي السودان، الذين ينظر إليهم على أساس أنهم أصحاب قضية، ومقاتلون من أجل الحرية بعكس مجموعة«أياتا» في أسبانيا و«حزب العمال» التركي و«طالبان» و«حماس»، فهم جميعهم يصنفون أنهم مجموعات إرهابية، ومن المفارقات أن أمريكا تدعم موسفيني لردع متمرديه في شمال يوغندا، في حين أنها في السودان تدعم متمردين لزعزعة الدولة، ويزيد سيف الدين أن اليوناميد تسعى لنجاح البعثة لأسباب كثيرة جداً، إذ أن مفوضية الاتحاد الإفريقي منذ أن كان مديرها جان ينك قال في حوار مع صحيفة «سودان فيشن» التي يرأس تحريرها محدثي، إن اليوناميد إحدى تجارب الاتحاد الإفريقي الناجحة، وهي تجربة إفريقية جديدة، وأنه يريد حلولاً إفريقية للقضايا الإفريقية. خلاصة القول، يبدو أن يوناميد لا تريد أن تزج بنفسها في صدام مباشر مع العصابات التي تقوم بعملية الاختطاف لمنسوبيها، وهي سياسة الوجه الآخر للعملة، فضلاً عن أنها سلاح ذو حدين، تظل محتاجة لدراسة ومعالجة.