في الأيام الفائتة تم الاحتفال بتعلية خزان الرصيرص هذا الصرح الشامخ والإنجاز الباهر الذي رفع معدل التخزين المائي والتوليد الكهربائي بدرجات عالية ونأمل أن يصحب ذلك حدوث ثورة زراعية شاملة بشقيها النباتي والحيواني في القطاعين المروي والمطري، ويقتضي هذا التخطيط السليم والتنفيذ القويم الذي تصحبه همَّة وطنية عالية، مع التركيز على العمل والإنتاج، والمؤسف أن الساحة السياسية بحكامها ومعارضيها على حد سواء تشهد هرجاً ومرجاً وصخباً مدوياً وصراعات ومنافسات حول الزعامة والقيادة والمواقع بطريقة سافرة أو مستترة وحتى المؤتمرات التي تُعقد لا يتم التركيز فيها على التداول حول القضايا الحيوية الهامة وينصرف الهم الرئيس فيها على التنافس حول المواقع وتصفية الحسابات بين مراكز القوى ولكنهم مضطرون في نهاية المطاف لاعتلاء ذات السفينة الواحدة لإحساس كل منهم بأن له فيها حقاً أصيلاً لن يتخلى عنه ولسان حاله يردد «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد» وإن النظام الحاكم قوامه بشر كسائر البشر الآخرين يصيبون ويخطئون وهم ليسوا معصومين عن الخطأ وإن مسيرة طويلة كهذه تحتاج لوقفات ومراجعات ومعالجات حتى اذا اقتضت جراحات ودواءً مراً لمعالجة الأسقام والأورام والوطن ليس ملكاً لهم وحدهم ولكنه وطن الجميع ومن حق الآخرين أن يلفتوا نظرهم لمواضع الخطأ وعلى بعضهم ألا يتكبروا ويصعِّروا خدودهم كأنهم فوق البشر، وفي الكفة الأخرى توجد معارضة كسيحة ضعيفة لو آلت إليها السلطة بوضعها المهترئ الراهن في ظل المعضلات العويصة التي يمر بها الوطن الآن فإنه سيتحول على ايديهم لرجل العالم المريض وبعضهم يضع رجلاً هنا ورجلاً هناك وخلافه مع النظام الحاكم حول الرئاسة ولكن من المفارقات أنه يرضى في المعارضة أن يكون مرؤوساً تحت من لا حزب له كأنه أشبه بعمدة خالي أطيان. وإن المعارضة التي يضمها حلف مع الحركات المتمردة المسلحة والجبهة الثورية وبتوجيه من القوى الأجنبية الراعية والداعمة لها تطالب بحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية بدلاً منها يكون عمرها أربعة أعوام وبكل تأكيد فإن المعارضة تحلم بالمحال وتعيش في أحلام وأوهام وتحرث في البحر وتنفخ في قربة مقدودة وعليها أن تكون واقعية وتصبر قليلاً لمدة عامين وأربعة أشهر حتى تنتهي هذه الدورة وعليها أن تكرس جهدها منذ الآن لخوض الانتخابات القادمة التي ستجرى في شهر أبريل عام 2015م ومن حقها ومن واجب النظام الحاكم أن يرضخ ويوافق على إجراء انتخابات عامة لا يستغل فيها أموال أو إعلام الدولة وسطوتها وسلطتها وأجهزتها المختلفة وأن تكون مفوضية الانتخابات محايدة تماماً وعلى الولاة والمعتمدين ألا يستغلوا سلطاتهم وعليهم التفريق بين مواقعهم الرسمية والحزبية وأن يمارسوا نشاطهم الانتخابي من خلال قنوات حزبهم دون استغلال لأجهزة الدولة وبدون ممارسة أي ضغوط على الآخرين باستغلالهم للسلطة. وإن بعض القوى السياسية ذات الوزن الخفيف والذي هو دون وزن الريشة أعلنوا سلفاً مقاطعتهم للانتخابات القادمة بدعوى أنها ستكون مزورة والمؤكد أنها اذا أُجريت بنزاهة تامة فإنهم سيقاطعونها لإدراكهم لوزنهم الخفيف وعدم قدرتهم على الظفر بنسبة واحد في المائة من مقاعد البرلمان بل ليس بإمكانهم الحصول على أغلبية في أي محلية من محليات السودان بل لن يحصلوا على أغلبية في أي وحدة إدارية واحدة ولكن الوضع الضبابي الحالي مريح بالنسبة لهم حيث يجلسون على كرسي الوصاية والأستاذية ويرأسون ويقودون المعارضة بلا وجه حق وفي إحدى تلميحاته وسخرياته وصفهم عضو التحالف المعارض ورئيس حزب الأمة أنهم مجرد «زلنطحية» على حد وصفه، هذا عن القوة ذات الوزن الخفيف في المعارضة أما بقية زملائهم ولا أقول رفاقهم «لأنهم ليسوا رفاق» فإن عليهم ألا يضيعوا وقتهم في كثرة الكلام والتصريحات التي يناقض بعضها البعض واذا أرادوا خوض الانتخابات القادمة فعليهم الارتباط بالقواعد عن طريق المشاركة الفاعلة في التنمية الشعبية باستنفار القواعد واستقطاب مساهماتها. وإن مساهمة هذه القيادات في إقامة حائط واحد بمؤسسة تعليمية أو صحية أو غيرها في أي منطقة خير من الحديث عدة ساعات في ندوة تتخللها الهتافات وقد شبع الجميع حتى التخمة من الندوات والهتافات. وإن الارتباط بالجماهير عن طريق العمل الاجتماعي الخيري والتنمية الشعبية أفضل. واذا تركنا جانباً الحديث عن الصراع حول السلطة وعن المعضل الاقتصادي والتحديات الأمنية والبؤر الملتهبة والضغوط والتحرشات الأجنبية فإن هناك ما هو أخطر ويجب الالتفات إليه وإيلاؤه أقصى درجات الاهتمام وإن الفساد المالي بكل أوجهه قد بلغ ذروته القصوى في هذا العهد مع اختلال ميزان العدالة الاجتماعية وظهور قطط سمان أثرت بالحرام مع وجود شرائح عديدة من المجتمع تعيش تحت خط الفقر وبسبب الضعف الإنساني الذي يعتري بعض النفوس فإن هناك انحداراً واضحاً في الأخلاق وإن الخير والشر متلازمان منذ بدء الخليقة وشهدت الإنسانية الجريمة منذ «قابيل وهابيل» وأي بلد في الدنيا له شرطة وأجهزة أمن وقضاء ومحامون ومكاتب نيابة قانونية... إلخ ولكن ما يجري الآن في السودان قد فاق كل الحدود ويجب عدم دفن الرؤوس في الرمال وينبغي الاعتراف بأن الفساد الأخلاقي بلغ درجة مزعجة وقد كثر عدد اللقطاء «وأبناء الزنا» الذين لا ذنب لهم وبلغ الفجور ببعضهم درجة الاعتداء على بناتهم في بعض الحالات الشاذة والاعتداء على ما اؤتمنوا عليه من بنات زوجاتهم ومن غيرهن من المحارم والأهل والجيران أما عن الأبعدين فحدِّث ولا حرج وقديماً قال عنترة «وأغضّ طرفي عن جارتي حتى يواري جارتي مأواها» ولكن المغني عندنا هنا يردد «يا جارة وأحلى جارة عطرتي الشارع وأنتي مارة!!» وتلك كلمات يرددها المغني ولكن البعض تجاوزا القول للاعتداء على أعراض الجيران والأهل والمحارم وأخذت تنتشر تباعاً جرائم منحطَّة مثل الاعتداء جنسياً على الأطفال الصغار وبعضهم في مرحلة الروضة والاعتداء على التلاميذ والصبية وهناك قصص كثيرة تُروى تؤكد أن الاهتمام منصبّ على التعليم فقط أما التربية فلم يعد لها وجود في كثير من المدارس لاسيما الخاصة ومهمتها تلقين المعلومات فقط والتنافس في الحصول على النسب والدرجات أما التربية فهي من شأن المنزل أو الشارع، ومنهم من يحصل على أعلى النسب والدرجات ويتدرج في مراحله التعليمية ولكنه في سلوكه وألفاظه وتعامله مع الآخرين ليس فاقداً تعليمياً ولكنه فاقد تربوي أي أنه «مربى شوارع» هذا إضافة لذوي الفاقد التعليمي والتربوي معاً، وأكبر دليل على هذا الانحدار في السلوك الذي يشير لضعف الإدارة وغفلة الوزارة هي حكاية وحش مدرسة بحري الخاصة ذلك الذئب البشري المجرد من الإنسانية والأخلاق وهو من المفسدين في الأرض وقد اعتدى في مدرسة واحدة على ستة وعشرين طفلاً بريئاً غير الذين اعتدى عليهم في مدارس أخرى أو أماكن اللهو والمجون قبل اكتشاف أمره بالصدفة. وإن هذا الوحش الآدمي ينبغي أن يلفت نظر المجتمع وجميع أولياء الأمور ليكونوا في حالة انتباهة لاستئصال مثل هذه الجرائم القبيحة.. وقائمة الجرائم تطول ومنها ازدياد عدد اللصوص وكثرتهم وأخذوا يحملون السواطير والأسلحة وكأننا في تكساس مع انتشار المخدرات وسط أعداد كبيرة من الشباب وعن الخمور فحدِّث ولا حرج. وبحمد الله فإن المساجد مليئة بالمصلين والخير موجود ولكن في الكفة الأخرى توجد الممارسات السيئة المشار إليها والمؤسف أن بعض المسؤولين النافذين عندما يعتلي بعضهم منصات الخطابة فإنهم يتحدثون وكأنهم قد استرشدوا بعهد الخلافة الراشدة وبعهود الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وعلى هؤلاء أن يُفيقوا من غفوتهم ويقفوا على الواقع على حقيقته ليساهموا بقوة السلطان في إزالة هذه المنكرات وبعضهم يصرح بأن نظامهم مستهدف لأنهم أقاموا على حد زعمهم شرع الله وعلى هؤلاء ألا يخدعوا أنفسهم وإننا نريدهم أن يرفعوا رايات الدين بالتطبيق والعمل لا تنكيسها بالشعارات ودغدغة العواطف للكسب السياسي فقط. وإن على أئمة المساجد والصحف أن تواصل التنبيه ودق ناقوس الخطر بصورة أكبر وإن على المجتمع والدولة أن يتضافروا لإيجاد العلاج الناجح لهذا الداء لاستئصاله بالتربية والقدوة الحسنة والقرارات السلطانية للمعالجات الفورية العاجلة غير الآجلة. وعلى كل المشايخ الأجلاء الأفاضل أئمة المساجد أن يقوموا بالتنبيه المستمر ونأمل أن يقوم كل إمام مسجد بالتضافر مع لجنة المسجد بمد الجسور مع المجتمع المحيط بالمسجد لإيجاد المعالجات الناجعة بطريقة أبوية مباشرة مع تقوية روابط التكافل الاجتماعي... والمؤسف أن السنين الأخيرة شهدت مشاحنات وشدًا وجذبًا بين أنصار السنة والسلفيين والمتصوفة وأخذ البعض يصبّون الزيت لتشتعل نار الفتن بينهم ونحن في مجتمع متسامح نأمل أن تكون الدعوة فيه بالحسنى وهناك الكثير الذي يجمع بينهم وهناك أفعال قد تبرأ منها الجميع وقد أراد فاعلوها أن يشعلوا بها نار الفتن وهدفهم في نهاية المطاف أن يحدث اشتباك دموي يؤدي لنتائج وخيمة والنار من مستصغر الشرر ونأمل أن تمر ذكرى ميلاد حبيبنا خير البشر أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بسلام وعليهم أن يدركوا أنهم جميعهم مستهدفون وها هي عمليات التنصير المنظم وسط المسلمين بدت ماثلة للعيان وحادثة الطالبة الجامعية المختطفة خير مثال وقد عادت بحمد الله لصوابها ولدينها الإسلامي الحنيف ويريد الأعداء من مثيري الفتن بين أنصار السنة والسلفيين والمتصوفة أن يختصم المسلمون هنا ثم يتقاتلوا ليتسنى لأولئك الأعداء أو بعض المغرَّر بهم من أبناء المسلمين تنفيذ مخططهم الإجرامي في إفساد الأخلاق وتفكيك المجتمع وإضعافه بالموبقات فهلا تنبه الجميع حاكمين ومعارضين وتساموا على حظوظ النفس والمعارك الصغيرة.