إذا صح ما قاله الأستاذ، عبد المحمود نور الدائم الكرنكي، عن علاقة السرطان بالضرائب الجمركية، التي تفرضها حكومة السودان، فإنه لأمر جلل يستدعي أن يتدخل رئيس الجمهورية ليحسمه فورًا. وإنما نطالب بتدخل السيد رئيس الجمهورية، ذاته، وعينه، لأنا لا نظن أن السيد وزير المالية يمكن أن يعير هذا الأمر اهتمامًا. فهذا الوزير لا يرى، بحكم المهنة، وبحكم التفكير البيروقراطي القاصر، أن من مهمته أن يخفض الضرائب، عن أي سلعة، بل أن يزيدها، ولا شيء يهم بعد ذلك، حتى ولو تتالت الكوارث، وتسلسلت النكبات. ولا نقول بهذا الرأي لأن الصورة النمطية الرائجة للسيد وزير المالية، في صحف الخرطوم، تصوره لنا إنسانًا دائشًا، غير مركِّز. وإنما لأن لنا عهدًا طويلاً بأمثاله من المثقفين الإسلاميين «الحاكمين حاليًا» من حيث إنهم لا يعتنون بالتفاصيل، الصغيرة، التافهة، في نظرهم، والتي لا ينبغي أن يهتم بها أمثالهم، من العلماء والمتعالمين. وبالتالي فماذا لو مات كذا ألف، من المواطنين السودانيين، بداء السرطان جراء استهلاكهم لسموم «بروميد البوتاسيوم»؟! إن هذه «البلاوي» الصغيرة ليست، في نظرهم، كوارث قومية، وليست مسائل أصولية كلية، وليست مدرجة في قضايا النفرة، والنهضة، والتجديد، النظري، المزعوم. وفي رأينا أن السيد رئيس الجمهورية وحده، وربما قلائل ممن حوله، هم الذين يستشعرون حقًا، أنه لو هلك مواطن سوداني من استهلاك سموم «بروميد البوتاسيوم»، فإن الله تعالى سائلهم عنه، كما هو سائل، جل وعلا، الخليفة الثاني، عن بغلة عثرت يومًا بشط العراق! وملخص الكلام الخطير، الذي أفاد به السيد الكرنكي، هو أن المخابز السودانية تخسر تجاريًا، إذا استخدمت محسِّنات صحية في صناعة الخبز. والسبب هو أن وزارة المالية، ممثلة في دائرة الضرب، المسماة عفوا بدائرة الضرائب، تفرض مكوسًا عالية على استيراد المحسِّنات الصحية. وتتساهل في فرض المكوس على محسنات صناعة الخبز غير الصحية، وعلى رأسها سموم «بروميد البوتاسيوم» المهلكة. والنتيجة أن تزداد معدلات الإصابة بالسرطان في البلاد. وأن تزداد معدلات الصرف على استيراد أدوية علاج السرطان «إن كانت له أدوية ناجعة حتى الآن!» وتقديم الدعم الحكومي لها. وقد اقترح كاتب المقال، الذي أعجبنا بالفكر الذكي المسؤول الذي أملى عليه ما قال، أن تقوم وزارة المالية بإلغاء الجمارك على المحسِّنات الصحية للخبز. وزعم أنه إذا دعمت وزارة المالية أسعار شراء المحسِّنات الصحيّة للخبز، لن يوجد مخبز واحد يستخدم «بروميد البوتاسيوم». ونزايد قليلاً على ما قاله السيد الكرنكي، فنطالب وزارة المالية بما تحب، وهو أن تزيد مكوسها ألفًا بالمائة، على استيراد مادة «بروميد البوتاسيوم» القاتلة. وعند ذلك فقط لن يوجد مخبز واحد يستخدم هذه السموم الفتاكة. ولدعم هذه الفكرة السامية التي افترعها الكرنكي، نرجو أن تنهض جهات البحث المختص، فتنشئ دراسات إحصائية حول الموضوع. فتحصي ما يعود على خزينة الدولة من رفع الجمارك على محسنات صناعة الخبز الصحية. وما تخسره الخزينة العامة من دعمها لاستيراد الأدوية المعالجة للسرطان. ولا نريد أن نتحدث عن الخسائر الاقتصادية الأخرى، وغيرها من الخسائر النفسية والاجتماعية، التي يتسبب فيها هذا المرض النُّكر. ويمكن أن تنهض لإنشاء مثل هذا الدراسات، عشرات الجهات البحثية، في كليات الاقتصاد، والتجارة، وإدارة الأعمال، والطب، والصيدلة، وذلك حتى تتكامل الدراسات، وتتأيد نتائجها بالتكرار، الذي يسمونه في مناهج البحث العلمي: Replication وهو عادة ما يعطي أقوى النتائج، وأشدها وثوقًا. ثم تقدم هذه الأبحاث، برمتها إلى السيد رئيس الجمهورية، ليتخذ على ضُوئها وهديها، القرارات الثورية اللازمة، التي تنقذ أرواح آلاف المواطنين، من غول «بروميد البوتاسيوم» والسرطان. وإذا وفق الله تعالى رئيسنا لاتخاذ مثل هذا القرار الحكيم، فقد يشمله الله تعالى بمفاد قوله جل وعلا: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً». هذا ونرجو الله سبحانه تعالى أن يشمل به أيضًا عبده الصالح، عبد المحمود نور الدائم الكرنكي. وأن يشملنا به، مع كل من يسهم ببحث أصيل، في هذا الموضوع الجليل.