فيما عدا موقف الحزب الشيوعي السوداني الذي أكد حسب بيان أصدره حول (ميثاق الفجر الجديد) على (ضرورة إيجاد صيغة مناسبة لإشراك كل القوى المعارضة تحت لواء التحالف بما في ذلك الجبهة الثورية) واعتبر ذلك شرطاً موضوعيّاً لإسقاط النظام.. فيما عدا ذلك الحزب الخارج على الشرعيَّة الدستوريَّة والذي وضع يده بموجب هذا البيان في يد حَمَلَة السلاح بل في يد أعداء الوطن المنتسبين للحركة الشعبيَّة لتحرير السودان الحاكمة لدولة الجنوب، فإنَّ كل القوى السياسيَّة الأخرى بما فيها تلك التي وقَّع عنها بعض منسوبيها في ذلك الميثاق قد تنصَّلت منه وأعلنت صراحة براءتها منه. بالطبع مطلوب استكمال ذلك الموقف باتخاذ قرارات أكثر وضوحاً تجاه أولئك الموقِّعين الذين ارتكبوا جُرماً في حق وطنهم بخروجهم على الدستور ويجب أن يتخذ مجلس شؤون الأحزاب قراراً يُلزم الجميع باختيار العمل السلمي الديمقراطي أو يسحب ترخيص من لا يلتزم بذلك الخيار. كذلك فإن على البرلمان استعجال إصدار التشريعات التي تجرِّم الخروج على القانون بما في ذلك قانون الخيانة العظمى الذي حدَّثني وزير العدل محمد بشارة دوسة ونقيب المحامين د. عبد الرحمن إبراهيم الخليفة أنه كان جزءاً من القانون الجنائي قبل أن يُسحب بفعل فاعل ووعد الوزير قبل سنوات باستصدار ذلك القانون ولكن لا حياة لمن تُنادي!!. لا أجد سبباً لتعنُّت الحكومة ورفضها تنصل الأحزاب من ميثاق الفجر الجديد بل على المؤتمر الوطني والحكومة إبداء مرونة أكثر تجاه كل من يغادر تحالف حَمَلَة السلاح بحيث تتقرَّب باعاً نحو كل من يقترب منها ذراعاً وذلك حتى تكسب في معركة الاستقطاب الحاد التي تدور رحاها ليس بينها وبين الجبهة الثوريَّة فحسب وإنما بين الوطن وأعدائه بمن فيهم دولتا جنوب السودان ويوغندا اللتان تحتضنان الجبهة الثوريَّة بل الدول الأخرى التي تتربَّص بالسودان وتُسخِّر موسيفيني والحركة الشعبيَّة لإنفاذ أجندتها في السودان. على الحكومة أن تتذكَّر أنَّها ابتدرت مرحلة إعداد الدستور التي تحتاج إلى إجماع وطني أو قُل إلى توافُق وطني وعليها كذلك أن تعلم أن هناك لجاناً كُوِّنت للشروع في عمليَّة إعداد الدستور ومن بينها تلك التي يرأسها المشير سوار الدهب للتواصل مع الأحزاب والقُوى السياسية الممانعة وأتشرَّف بعضويتها ومن أهم مطلوبات الأحزاب التي قابلتها لجنة سوار الدهب (تهيئة المناخ) وكان ذلك من ضمن القضايا التي أجمع عليها كلُّ من شارك في اللجنة السياسيَّة التي انبثقت عنها لجنة سوار الدهب. أقولُ هذا بين يدي حديث النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه لمحاوره بروف علي شمو في ذلك اللقاء التلفزيوني حيث أكَّد (أن الحكومة ليس لها أية حساسيَّة تجاه الرأي الآخر المخالف وأنَّ حرية التعبير مُتاحة للجميع) بل إنَّ النائب الأول قال (إنهم في الحكومة ينطلقون من فكر يسمح بالحرية حتى في مستوى اختيار العقيدة). كان بإمكان علي شمو أن يقول لعلي عثمان ما سبق أن قاله في أحد حواراته الصحفية تعليقاً على إغلاق الصحف ودَور المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الذي يرأسه البروف حيث قال حينها: (هذه الصحف التي تم إيقافها لسنا نحن من قام بإيقافها عن العمل ولا يوجد أحد قام باستشارتنا حين تقرَّر وقفُها)!. بروف علي شمو بأدبه الجمّ لم يشأ أن يُحرج ضيفَه ولو كنتُ مكانه لما تردَّدتُ في الجهر بذلك الرأي بل لاتّخذتُ قبل أن أُجري ذلك الحوار قراراً آخر تحتِّمه عليّ المسؤوليَّة الوطنيَّة والأخلاقيَّة. أخي الأستاذ علي عثمان.. أخي د. نافع... لقد آن الأوان للمؤتمر الوطني ولحكومته أن يبادرا بتقديم تنازلات للأحزاب السياسيَّة ليس من أجل الدستور فقط وإنما من أجل إزالة الاحتقان الذي تشهدُه الساحة السياسيَّة وليبدآ بالحرِّيات التي يُتيحُها المؤتمر الوطني لنفسه ويحرمُ منها الآخرين الذين يطلب منازلتهم في الانتخابات ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع ويكفيه أنه يملك الثروة والسلطة جميعها بإعلامها ومؤسساتها الأخرى فمِمَّ يخاف بعد ذلك وهل أفلح الكبْت والقهْر في إنقاذ نظام حسني مبارك والقذافي وهل لو كان مبارك يعلم ما سيصير إليه كان سينتهج نفس القبضة الحديديَّة التي ذهبت وذهب معها حزبُه كرغوة الصابون لحظة انفجار الربيع العربي؟!. نحنُ في منبر السلام العادل لم نرفع شعار إسقاط النظام لأننا نخاف البديل الذي لن يأتي سلمياً كما حدث في مصر وتونس وإنما سيأتي على أسنَّة الرِّماح لماذا بالله عليكم نتحدَّث من داخل دُورنا ونُحرم من مخاطبة الجماهير المحتكرة لخطام المؤتمر الوطني وأين هي العدالة في دولة الشريعة وأين هي الديمقراطيَّة بل أين هو الدستور الحالي الذي يُتيح الحُرِّيَّات لكنه معطَّل؟! في ضيافة الناظر الفاضل إبراهيم في سنجة ساعة عشتُها صباح الخميس الماضي في سنجة عاصمة ولاية سنار في أجواء تتمنى، لو خُيِّرت، أن تدوم مدى الحياة... ساعة ملأتني بِشْراً وتفاؤلاً أن نسيج هذه الأمَّة السودانيَّة بقِيمه الراسخة والضاربة بجذورها في أعماق التاريخ أعظم وأمتن من أن يُزلزلها الأوباش وشُذّاذ الآفاق من دعاة تحرير السودان. فقد نزلتُ ضيفاً على الكريم ابن الكرام الناظر الفاضل إبراهيم الفودة ناظر عموم قبيلة كنانة بالسودان وما كنتُ أظن أنه سيجمع كل رموز الولاية في إفطاره الفخيم الذي ضم النُّظّار والمكوك والعُمد والوجهاء ورؤساء الأحزاب السياسيَّة وكان من بين الحضور الناظر وليد حسن نايل المك، ناظر قبيلة الفونج وقامات سامقة تجعلك وأنتَ جالس بينها تستنشق شيئاً من عبق تاريخ الدولة السناريَّة وهي تشرئبُّ بعنقها وتلامس الثريا علواً ومجداً وتقيم للإسلام صرحاً علياً في بداية القرن السادس عشر وتحديداً في عام (1503)م بعد (11) عاماً من سقوط الأندلس... ذلك التاريخ الذي صادف ويا للعجب اكتشاف أمريكا في نفس العام (1492)م فأيُّ خير رُفِع وأي باطل وُضِع ولكن هل تذوي حضارة الإسلام وتزول وهو دين الله العزيز أم ينبعث النور الذي انطفأ في الأندلس من دولة سنار التي رأيت في ذلك اليوم شيئاً من وهجها في وجوه من استقبلونا بالنحاس خارج دار الناظر الفاضل إبراهيم؟. خاطبتُ الجمع فقلتُ لهم إن النسيج الاجتماعي الذي وضع لبناته الأولى وبذرته الولود تحالف عمارة دنقس وعبد الله جمّاع فامتدَّ شجرة وارفة الظلال تبدَّت في اجتماع أولئك الرجال الذين التأموا كأنهم أبناء أم واحدة في ذلك الإفطار الذي ضمَّ نحو مائة من الأعيان والحضور بمختلف توجُّهاتهم القبليَّة والسياسيَّة... إن ذلك النسيج أعظم وأقوى من أن يخرقه تحالف (الفجر الكاذب) العنصري البغيض الذي عقده عقار وعبد الواحد النور ونسج خيوطه باقان وعرمان وموسيفيني وسوزان رايس ولن يستطيع التحالف الجديد القضاء على القِيم التي أرستها الدولة السناريَّة. الشكر للناظر الفاضل إبراهيم الفودة على الحفاوة التي استقبل بها وفد منبر السلام العادل القادم من الخرطوم وقيادات المنبر في سنجة والشكر لجميع من لبُّوا دعوة الناظر ليكونوا في استقبالنا وأعتذر للأخ الناظر وليد حسن المك أن ضيق الوقت لم يسمح بتلبية دعوته لكن التواصل معه ومع الناظر الفاضل إبراهيم سيمتد ويتواصل إن شاء الله تعالى. لا يفوتني كذلك أن أزجي الشكر أجزله إلى الأخ حسن عثمان العوض رئيس نادي النهضة الرياضي والذي أبى إلا أن يستضيفنا بمنزله العامر بسنجة بحضور كوكبة من النادي العريق الذي تفرد بفكرة عبقرية بأن يتخصص في الكرة الطائرة ويحقِّق بها مجدًا للسودان ولولاية سنار في المحافل الدوليَّة فقد ظل النادي يمثل السودان في هذا الضرب من الرياضة ويحقِّق نتائج باهرة.