ظلت الأغذية والمحاصيل (المعدلة) جنينياً (Genetically - Modified CM) أو التي يفضل بعضهم تسميتها أغذية فرانكشتاين على اعتبار أنها ضارة بالإنسان من القضايا الصحية والبيئية والرئيسية في العالم وأصبح الخطر مما سآتي به التكنولوجيا من مستحدثات لا تعرف فوائدها أو أضرارها بعد. في البداية شكري بلا حدود لكل الإخوة الذين أدلوا بآرائهم حول هذا الموضوع وكل الأفكار والأدلة التي قدموها جديرة بالاحترام والتقدير بما تحتويه من معلومات قيمة يستفيد منها أهلنا في السودان علماً بأن للمحاصيل والأغذية المحورة إيجابيات وسلبيات وسنسلط الضوء إن شاء الله عليها وخاصة تلك المقاومة للحشرات والمبيدات وبما أن الإخوة من قبلي تحدثوا بالتفاصيل عن معظم الجوانب المهمة وبما لدي من معلومات قيمة في هذا المجال وجدتُ أن من الضروري توضيح بعض المخاطر بالاستفادة من تجارب الدول التي مناخها يتشابه مع مناخ السودان في كل شيء حتى في إنتاج بعض الأصماغ (صمغ الغاتي Ghatti gum) والمانجو ولذلك كانت الهند هي خير مثال لذلك. بداية تُعرف المحاصيل أو الأغذية المحورة وراثياً: بأنها هي تلك الأغذية أو المحاصيل النباتية أو الحيوانية المصدر والتي خضعت للهندسة الوراثية فتم تغيير جيناتها أو يمكن أن يقال اللعب في جيناتها في المختبر، فنقلت إليها جينات من مصادر نباتية، وفي بعض الأحيان جينات من مصادر حيوانية مثل الحشرات وما إلى ذلك. فنتج عن ذلك أنواع من الأطعمة والمحاصيل التي قد تشبه المادة الغذائية الأم أو يمكن أن لا تشبهها أبداً، من حيث التركيب الكيميائي، أو قدرتها، أو إنتاجيتها أو أي صفة من الصفات. وسنتحدث إن شاء الله لاحقاً بالتفاصيل حول بعض الأغذية المحورة وراثياً مثل الطماطم البطاطس الأرز فول الصويا القطن الذي يدخل في صناعة الزيوت وعلف الحيوانات مع مناقشة بعض النقاط التي ما زالت مثيرة للجدل في معظم المؤتمرات العلمية حول العالم بين مؤيدين ومعارضين وهذه النقاط سأتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً إن شاء الله بالتفصيل وهي تشمل: حقيقة الأغذية المحورة وراثياً، ووضعها الحالي، مستقبلها، اختبارات الأمان بالنسبة لها، بالإضافة إلى سلامة المنتجات المعدلة تجارياً بأخذ الطماطم الذرة فول الصويا البطاطس نموذجاً من حيث الدراسات التغذوية وعلم السموم، التركيب الكيميائي، ودراسات الحساسية بالإضافة إلى دور الحكومات والتوجه العالمي في تنظيم تداول هذه الأغذية المعدلة وراثياً مع الإجابة عن السؤال المهم وهو: هل وصلت هذه الأغذية إلى بلادنا العربية وهل تسببت بإحداث تلوثات مرعبة؟ وما هي السلبيات والإيجابيات حول هذه الأغذية المحورة؟ كل هذه الأسئلة سنرد عليها في حينها إن شاء الله. ولكن في هذا المقال دعونا نناقش حديث الساعة وهو حول الجدل الثائر حول زراعة القطن المحور وراثياً، ولكن قبل كل شيء هل نحن في السودان بحاجة إلى هذا النوع من البذور المحورة؟ وهل استطعنا تسويق القطن الذي ما زال أسير المخازن حتى اليوم كما ذكر د. البوني في عموده الأسبوع المنصرم؟ ولذلك أردنا أن نسلط الضوء على هذا الموضوع باعتبار الهند نموذجاً مع سرد بعض الحقائق المرعبة التي يجب أخذها في الاعتبار وهي ذات بعد اقتصادي بحت تكمن في إمكانية توصيل الأغذية والمحاصيل المعدلة إلى السوق يمكن أن تعد عملية طويلة وبالتالي فهي تكلف التاجر مبالغ مالية كبيرة، وفي المقابل فإن الشركات المنتجة (Agri - Biotech - Companias) تأمل في الربح المالي لهذه الاستثمارات، ومن الملاحظ أن العديد من النباتات المهندسة جينيناً منحت براءات الاختراع، وانتهاك هذه المنحة يشكل قلقاً بالغاً للشركات الصناعية الزراعية الكبيرة. وفي المقابل فإن المزارعين أصحاب المزارع يخشون أن براءات الاختراع هذه يمكن أن ترفع أسعار البذور إلى درجات عالية إلى الدرجة التي يصعب على المزارعين الصغار وبلدان العالم الثالث تحمل النفقات العالية، وهذا يعني توسيع الثغرة بين عالم الأغنياء والفقراء. ولكن يأمل العلماء وعامة الناس الذين يؤيدون الأغذية والمحاصيل المحورة وراثياً بوجود الإيماءات الإنسانية من تلك الشركات الصناعية الزراعية الضخمة لتخفيض أسعار منتجاتها حتى تساعد الدول الفقيرة، وهذا لا يمكن أن يحدث أبداً. ومن الأمور الاقتصادية الأخرى التي تثير قلقاً أيضاً أن تقوم الشركات الصناعية المنتجة والمعنية بإنتاج محاصيل تحمل ما يعرف (بالجين المنتحر suicide gene) وهذا يعني أن تعطي البذور جيلاً واحدًا فقط، ثم تتولد منها بذور عقيمة لا تصلح بعد ذلك للزراعة والتكاثر (لا سمح الله لو حدث هذا في القطن) علماً بأن سوداننا الحبيب حفظه الله معظم الدول له بالمرصاد قد تكون هذه بداية مؤامرة يدفع ثمنها الجيل القادم، عموماً إذن السر الكامن والاقتصادي البحت وراء تقنية الجين المنتحر يجعل المزارع المغلوب على أمره مضطراً سنوياً إلى شراء البذور باستمرار من المصدر (هذه الظاهرة ما يحدث حالياً في حب البطيخ عند أهلي في كردفان) والفكرة هنا يتم التحكم في التسلسل الجيني للكروموسومات أي بمعنى آخر تتم برمجة كل الكروموسومات ذات الصفة الجيدة المرغوبة وتجبر لتعبر جينياً عن نفسها وتكون سائدة فقط في الجيل الأول فقط بحيث الجيل الثاني يحمل صفات الحنظل عندما تزرع الحبوب مرة ثانية وفي حالة البطيخ هذا كمثال ولذلك سعر علبة بذور البطيخ المحور ويسمونه المحسن لخدع الناس تجاوزت ال «300» جنيه للمزارع البسيط وهذا ما نخشاه أن يحدث في حالة القطن. وهذا يعني أن تصبح المزارع تحت رحمة الشركات الصناعية التي تفرض السعر الذي يناسبها سنوياً من غير أن يتمكن أصحاب المزارع وبلدان العالم الثالث من مناقشتها في هذا الموضوع. وهنالك قضية اقتصادية أخرى، وهي أن الشركات متعددة الجنسيات تؤكد أن هذه النوعية من الغذاء أو المحصول ستخفف بطريقة أو بأخرى من مشكلة الجوع في العالم الثالث، بل وتستخدم هذه الفكرة العاطفية لترويج وبيع محاصيلها، إلا أن النقاد يجادلون في أن مثل هذه الادعاءات تهمل الأسباب الرئيسية للجوع والمجاعات وزيادة دخل المزارع من المحاصيل النقدية والغذائية كالقطن. ويؤكدون أن زيادة كمية الطعام في كوكبنا ليست بالضرورة هي الحل لإطعام الجوعى من هذا العدد المتزايد من البشر. وتأكيداً لما سلف ذكره، جاء تقرير (الهيرالد تربيون) الدولية الصادر في «29 مايو 2003م» كمادة اخبارية تحت عنوان (تصوير حرب البييوتكنولوجي كقضية جوع. وأكد ذلك هجوم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على رفض الأوربيين للمحاصيل المعدلة وراثياً يأتي في إطار يجعل منه جزءًا من حملته ضد الجوع في العالم). دفاع بوش ومساعديه يقوم على حجة عاطفية مؤثرة زاعمين أن موقف الإدارة هو جزء من محاربتهم للجوع في العالم. كما ذكر في خطاب له من قبل باتهام أوربا بالوقوف كعقبة في طريقه لقضيته العظمى لإنهاء الجوع في إفريقيا بحظرها للمحاصيل المعدلة وراثياً. واضح جلياً أنه لا تقوم تكنولوجيا الهندسة الوراثية حول التغلب على مشكلة بذرة الغذاء ولكن تدور حول خلق احتكارات على الغذاء والبذور، الحلقة الأولى في السلسلة وعلى الحياة نفسها. وجدي أن بعد نجاح ضغطها على حكومة (لولا) في البرازيل لإلغاء الحظر على التغذية والبذور المحورة وراثياً بشكل مؤقت، تطالب (مونسانتو) الآن حقوق ملكيتها لجينات الصويا ذات المناعة الشاملة، معلنة بذلك مرة أخرى أن الأرباح من خلال جمع حقوق الملكية هي الغرض الحقيقي من نشر البذور المحورة وراثياً. وهنا يكمن السر الدفين. وقد أجبرت الهند على تغيير قوانين براءات الاختراع طبقاً لاتفاقيات (ألتربس TRIPS)، وأصبح المستفيد الرئيسي من الملحق الثاني لقانون براءات الاختراع الهندي لعام «1970م»، شركات البيوتكنولوجي العملاقة (مونسانتو) التي تسعى من أجل الحصول على براءات اختراع المحاصيل المعدلة بالهندسة الوراثية. تجرم براءات الاختراع أيضاً العمل الإنساني من أجل إعادة إنتاج أشكال الحياة وتجعل منه عملاً غير قانوني، عندما تخضع البذور لبراءة اختراع، سوف يعامل الفلاحون وهم يمارسون حريتهم ويؤدون واجبهم بالحفاظ على استمرار الأنواع وتبادل البذور كلصوص يسرقون الملكية الفكرية. وقد يبلغ ذلك حد العبث كما في (بيرسي شمايرز) المزارع الذي تلوث حقله المزروع بنبات الكانولا (الكانولا مونسانتو ذات المناعة الشاملة)، وبدلاً من أن تدفع له مونسانتو تعويضاً لبيرسي بسبب تلوث حقله طبقاً لمبدأ (الذي يلوث يدفع)، رفعت مونسانتو عليه قضية تعويضية بمبلغ «200» ألف دولار لأنه سرق جيناتها. ومونسانتو تستخدم شركات أمن خاصة وتستخدم البوليس لضبط الفلاحين ومحاصيلهم، ومن الجدير بالذكر أن براءات الإختراع هذه، تستلزم وجود الدولة البوليسية. ومن المهم ملاحظته هو لا تتسبب الهندسة الوراثية في مجرد تلوث جيني للتنوع الطبيعي فحسب وإنما تخلق إمبريالية بيولوجية واحتكاراً على الحياة، وكذلك فإنها تسبب أيضاً تلوثاً معرفياً عن طريق تدمير استقلالية العلم، والترويج للعملية الكاذبة، وإنها تؤدي إلى احتكار يتسلط على المعرفة وحق الحصول على المعلومات. فنجد أن التضحية بالدكتور (ارباد بوتساي) الذي أوضح المخاطر الصحية للبطاطس المعدلة وراثياً والدكتور (أغناسيو تشابيلا) الذي أوضح أن القمح المحور قد تم تلويثه في مركز تنوعه وقناة المكسيك هي مثال على تعصب النظام العلمي الذي تسيطر عليه الشركات الاحتكارية وعدم احتماله العلم الحقيقي المجرد من الألاعيب والتحيز. وتزوير (مونسانتو) لبيانات قطن الهند المعدل جينياً هو مثال على ترويج تكنولوجيا ذات مخاطر، ولم تخضع للاختبار وغير ضرورية، من خلال إدعاءات علمية مضللة. فبينما نقص إنتاج القطن المعدل جينياً بنسبة «80%»، وبلغت خسارة الفلاح الواحد حوالى «6000» ألف روبية للفدان الواحد، استخدمت الشركة المالكة للجين (مونسانتو) كلاً من علماء البايوتكنولوجي وهم (مارتن كيم) من جامعة بون و(ديفيد زيلبرمان) من جامعة بيريكلي بكالفورنيا لنشر مقال في مجلة العلوم يدعيان فيه أن إنتاج القطن المعدل جينياً زاد بنسبة «80%» اعتمد كل من (كيم) و(زيلبرمان) في نشر نتائج بحثهم على بيانات زودتهم بها شركة مونسانتو من تجاربهم الأولية على هذا النوع وليست البيانات التي تمت فبركتها عن نوع القطن المعدل وراثياً (BT. Cotton)، والذي صورت فشله كمعجزة من المعجزات، تخفي حقيقة أن الحشرات والأمراض غير المستهدفة زادت بنسبة «250 - 300%»، وإن تكلفة البذور زادت بنسبة «300%» وإن كمية القطن وجودته كانت أقل. ولهذا السبب ففي «20 أبريل 2003م»، لم تصرح لجنة المصادقة على الهندسة الوراثية (GEAC)، التابعة للحكومة الهندية لمونسانتو ببيع قطن (Bt. Cotton) في شمال الهند. وقد ثبت زيف ادعاءات مونسانتو أيضاً فيما يخص الذرة المهجنة بالفشل الذريع في ولاية (بيهار)، ووضعت الحكومة هذه الشركة في القائمة السوداء. وفي (راجاستان) منحت مونسانتو لنفسها جائزة التفوق للمحاصيل المعجزة حيث ذكرت في نشراتها الفنية «50 90%» قنطاراً للفدان، ولم يجنِ الفلاحون سوى «7» قناطير للفدان، بما يساوي «90%» من الموعود، وبعد ذلك بدأ فلاحو (أودايبور) من ولاية (راجاستان) حملة لمقاطعة بذور شركة مونسانتو. ولكن لا تصل تقارير عن هذه الجينات إلى المستوى الدولي لأن مونسانتو تسيطر على وسائل الإعلام بواسطة شبكة من العلاقات العامة، تماماً كمحاولتها السيطرة على الحكومات والهيئات. أخيراً كل ما أردنا توضيحه هو بسبب الخوف على هذا الوطن الجميل مع الاحترام والتقدير للإخوة الذين ساهموا بآرائهم حول هذا الموضوع وندعو كل من كان لديه معلومات أن يدلي بها والباب مفتوح للنقاش فقط بتمليك الحقائق لمواطنينا والقائمين بأمر هذا الوطن العزيز يجب أن يضعوا في اعتبارهم الاحتفاظ بمورثات القطن الطبيعي وهذا سهل جداً فقط يحفظ في النايتروجين السائل ولملايين السنين (تيراب) والعاقل من اتعظ بغيرو في حالة الفأس يقع في الرأس يمكننا أن نسرع لاستخراج الجينات المحفوظة في النايتروجين السائل وعندها من شدة الإسراع بذلك قد يفقد القائم على حفظ الجينات أحد أصابعه.