نفى الجيش الشعبي في دولة جنوب السودان على لسان ناطقه الرسمي فليب أقوير، انسحاب قواته من الحدود المشتركة مع السودان، وقال إنه في انتظار التعليمات بذلك، والأوامر من القيادة العليا في جوبا لتنفيذ الأمر! وأنه لم يطبَّق أي قرار بالانسحاب من الحدود المتاخمة للأراضي السودانية .! يكذب تصريح أقوير ما قاله سلفا كير ميارديت رئيس دولة الجنوب والقائد الأعلى للجيش الشعبي، قبل أسابيع قليلة، عن التنادي للقمة التي جمعته مع الرئيس البشير مطلع الشهر الجاري بأديس أبابا، عندما ادعى أن قوات الجيش الشعبي التابعة له أكملت انسحابها من الحدود مع السودان!! وحسب تلك التصريحات في حينها فإنها تهيئة للقمة الثنائية وتمهيد الطريق لإنجاحها، لكن سرعان ما تبددت كلمات سلفا كير في الهواء كفقاعة صابون، فلم ينسحب جيش دولة الجنوب، لأنه كان يعلم أن الترتيبات الأمنية المزمع نقاشها في مصفوفة اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، لن تتم.. ولن تكون.. ولن تطبَّق .!! المصيبة أن دويلة ناشئة، تتلاعب وتتحذلق وتناور وتتلوّن وتكذب كما يتنفس قادتها، تبرع في خداعنا عندما ندعي نحن الصدق في التعامل وتصديق الآخرين، عندما قمنا منذ توقيع الاتفاقيات الثماني في أديس أبابا يوم 27سبتمبر من العام الماضي، بالانسحاب من الحدود المشتركة بمسافة عشرة كيلو مترات وإخلاء عدد من المواقع ، وتطبيق الاتفاق بحذافيره بمبادرة منّا، دون التقيُّد بخطوة مقابلة ومتزامنة من الطرف الآخر .! إذا كان الجيش الشعبي لم ينسحب كما جاء في اتفاقية الترتيبات الأمنية، ولم ينفذ منها حرفاً، لماذا نذعن نحن لاتفاقية منقوصة ونقرر الانسحاب ونخلي المكان للجيش الشعبي، على طريقة القول العربي القديم «خلا لك الجو فبيضي وأصفري».!! هناك سلوك غريب وغير مفهوم على الإطلاق ونوع من التعامل يشبه التضليل في تعاملاتنا مع دولة الجنوب التي يصرُّ أعضاء من وفدنا التفاوضي على تجميل صورتها والوثوق بها كما فعل السيد مطرف صديق سفير السودان لدى جوبا، الذي كان كاثوليكياً أكثر من البابا وتولى المرافعات عن الاتفاقيات التي لا تقدِّم ولا تؤخر وبرّأ ساحة جوبا من كل عيب .!! إذا كانت دولة الجنوب وجيشها في حلٍّ من أي التزام بالاتفاقية الأمنية ولم تطبّق فلماذا زحمت أسماعنا وقلوبنا بتوقعات باهتة وبائسة عن جدوى الاتفاقيات والمصفوفة للترتيبات الأمنية والعسكرية وعن الحب وشياطين أخرى، كما يقول جبرائيل غارسيا ماركيز؟؟!! تعودنا دائمًا أن تخذلنا دولة الجنوب أو بالأحرى تخذل مفاوضينا الذين لا يعودون من جولة تفاوضية إلا وأطلقوا بشارات خائبة عن السلام والاتفاق وبدء صفحة جديدة، لكنهم في الأصل كانوا فقط.. يديرون الخد الأيسر.!! فليس هناك مصداقية لعدو متربص لا عهد له ولا ميثاق. إن سياسة حسن النوايا والتقديرات الخاطئة هي التي أوردتنا مورد الهلاك، منذ نيفاشا حتى اليوم، يتوالى مسلسل التفريط في كل شيء دون أن تكون هناك قدرة على صنع وإبرام معاهدة جيدة تصون التراب وتحفظ الأمن وتجلب السلام وترسخ الطمأنينة وتجنبنا ويلات الحرب والخراب والدمار، دون أن نلدغ من هذا الجحر ألف مرة وننخدع لمن يغشنا عشرات المرات. إذا كان الجيش الشعبي يعلن عدم انسحابه من الحدود ولا يبدي نيّة جادة أو يشرع في خطوة ملموسة، فلماذا ننسحب نحن؟ ولماذا يقال لنا في مؤتمرات ولقاءات صحفية رسمية إن المعلومات المتوفرة تقول إن جيش دولة الجنوب انسحب حسب جداول المصفوفة وتلقى أوامر بذلك ... مَن يخدع مَن!!؟ --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.