أثارت قضية طريق الإنقاذ الغربي كل ذلك الجدل وفتحت أقواس الحيرة في ولايات دارفور، تفاؤل مشوب بالحذر، وأشواق حبيسة الدواخل من فرط الانتظار الطويل ليوم الافتتاح، فالطريق تعاقبت عليه الحكومات والبرلمانات واللجان التي تتكون وتنفضّ دون الوصول إلى معرفة ما يمنع على وجه الدقة اكتماله.. هذا الطريق الذي يتفرع من الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان حتى الجنينة في أقصى غرب السودان، ويربط مدينة الفاشرونيالا وكثيرًا من المدن الرئيسية والفرعية ويخفف من معاناة الأهالي ويُنعش الولاياتالغربية من ناحية اقتصادية وأمنية، مسفراً في الوقت نفسه عن الوجه المفقود للتنمية، لكن المأساة لم تكتمل فصولها لمجرد أن الميزانية لا تكفي أو أنها تتعرض للانتقاص، ولكن المعضلة الأساسية حسب رأي المراقبين هي انتشار الحركات المسلحة، وتفشي حالة عدم الاستقرار الأمني خارج المدن الرئيسة مما يعرض المهندسين والعمال والآليات إلى الخطر، ولذلك يبرز أكثر من سؤال لا مفر من طرحه وهو متى سيكتمل هذا الطريق الذي تحول إلى «أحجية» تتناقلها الشفاه؟ روايات كثيرة نُسجت حول أسباب توقف العمل، ابتداء بالعبارة الشهيرة التي أطلقها رئيس اللجنة الشعبية السابق الدكتور علي الحاج في العشرية الأولى للإنقاذ، «خلوها مستورة» هكذا حاول علي الحاج الانفلات من سيل الحصار الذي جوبه به من قبل المشفقين على ميزانية الطريق التي لا أحد يعلم بالضبط أين توارت، وقد كانت مهمة لجنة علي الحاج استقطاب الدعم الشعبي والرسمي للطريق، وحمل البعض شركة شريان الشمال مسؤولية البطء فى التنفيذ، وأعلن في وقت سابق وزير الطرق والنقل والجسور الدكتور أحمد بابكر نهار أنه سيتنحَّى عن منصبه حال عدم إكمال طريق الإنقاذ الغربي، واعتبر عدم ضخ الدفعيات المستحقة للشركات العاملة في الطريق قد أسهم في تأخر وتوقف العمل في القطاعات والتأخير الناجم عن الدواعي الأمنية، وقال إن تنفيذ الطريق لا تنقصه الإرادة السياسية، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية ونائبيه يولون الطريق اهتماماً خاصاً. الدواعي الأمنية التي أشار لها الوزير تسببت في اختطاف عدد كبير من العمال آخرهم العمال الصينيون الذين أولت الحكومة قضيتهم اهتماماً كبيراً حتى تسنى لها إطلاق سراحهم الأسبوع الماضي، وتعود تفاصيل العملية إلى ذلك اليوم الذي أُعلن فيه عن اختطاف مجموعة مسلحة «15» من العاملين بشركة بولي الصينية للطرق والجسور العاملة في طريق الإنقاذ الغربي بمحلية الكومة بولاية شمال دارفور، إضافة إلى ثلاث من عربات الشركة، وكشف معتمد محلية الكومة محمد سليمان رابح في تصريحات صحافية، أن المختطفين من ضمنهم «4» صينيين و«11» سودانيًا، وذلك بموقع عمل الشركة بطريق الإنقاذ الغربي قطاع الكومة أم كدادة، وكشف أن الصينيين الذين تم اختطافهم أحدهم مهندس والثلاثة الآخرين سائقو آليات، فيما بعد تمكنت الحكومة بمعاونة بعض الجهات من إطلاق سراح الصينيين. من جهة أخرى أكد نائب ولاية غرب دار فور ووزير التخطيط العمرانى أبو القاسم بركة أن العمل سيتواصل في الطريق بعد توجيه والي الولاية وأشار إلى أن الوالي كون لجنة فنية للحماية ووضع آليات وتحوطات عسكرية، وقال بركة في تصريح خاص ل«الإنتباهة» إنه حصل إشكال في جبل عامر مما تسبب في زعزعة الاستقرار وسط السكان والعمال الصينيين، وقال إن هنالك تداعيات وإشاعات في هذا الشأن في «مومو» وفي وسط دارفور وألمح أن هنالك غرضًا من خلال الهجوم الغاشم على الشركة الذي نفذته المجموعة المسلحة وشدَّد على أن العمل سوف يستمر دون توقف. في المجلس الوطني كانت الأصوات تتعالى بشدة وقد فشلت كل المحاولات لفضّ الاشتباك والملاسنات بين النواب والوزير من جهة، والوزير والشركة المنفذة من جهة أخرى، مما استدعى تدخل رئيس الجلسة التي صاحبتها حالة من الهرج والفوضى بسبب إعلان لجنة طارئة تعثر تنفيذ طريق الإنقاذ الغربي وثار نواب من ولاية دارفور على تقرير اللجنة ولوحوا بالاستقالة فيما هدد البرلمان باستخدام سلطاته لإنجاز الطريق وقرَّر تكوين لجنة عُليا لمتابعة التنفيذ ومحاسبة الوزراء المختصين، عطفًا على ذلك فقد وجه النواب انتقادات حادة لعجز البرلمان على مدى عشرين عامًا عن معالجة القضية المثيرة للجدل. المشهد لم يبدأ ولم ينتهِ هنا ولكن في «27» يونيو من العام السابق شنَّ النواب هجومًا عنيفًا على أداء وزارة النقل، وطالبوا بتمليكهم أسماء الشركات المسؤولة عن تنفيذ طريق الإنقاذ الغربي، والتي قالوا بأنها تحصلت على استحقاقاتها بنسبة «80%» إلا أنها لم تنفذ إلا «2%» ، وشدَّدوا على ضرورة تشكيل لجنة برلمانية لمتابعة الأمر.. وفي رده على النواب حمَّل وزير النقل أحمد بابكر نهار مسؤولية تعطل إنفاذ طريق الإنقاذ الغربي لشركة شريان الشمال.. وقال: خلال عشر سنوات نفذت الشركة نسبة «2%» فقط، مما يعني أنها تحتاج ل «50» سنة لإكمال طريق «نيالازالنجي»، و«40» سنة لإكمال طريق «نيالاالفاشر». بالطبع ظل مشهد رؤية الناس لهذا الأسفلت مرصوفًا في الصحراء الغربية أمنية تراوح مكانها، عشرون عاماً ليست بالسنوات القليلة، ولا يمكن أن تتنصل منها الأيادي، الحكومة والسلطة الانتقالية والمواطنون أنفسهم الذين تبرعوا بحصصهم من السكر لصالح مجهود إكمال الطريق ما بين الانتظار والاصطبار، والحرص على تجلط هذه الشرايين الممزقة، يبرق حلم يطوق غلالة التهميش والمحاباة التي يروج لها البعض، وفيما تبقى من عشم وحراك متصل خلال الأسابيع الماضية ربما ينفتح شارع جديد للتفاؤل.