لا أدري والله سر هذا الصمت المريب حيال ما تعانيه أرض الكنانة (الجزيرة) من واقع تنموي بائس، بأقسى درجات البؤس والشقاء والحرمان والعجز الخدمي.. صمت أغرى الحاكمين للتمادي في طغيانهم وقهر رعاياهم بكل وسائل سلب الحقوق وانتهاكها.. وشقاء الإنسان وحرمانه هنا بالجزيرة يتجلى في صور وأشكال شتى أفلحت الدولة في غرسها على أرض الجزيرة وهي ولاية غنية بإنسانها ولكنها فقيرة ومريضة بكسب السلطة. وأي همة وأي إرادة تلك التي تتجاوز إصلاح إعطاب مشروع الجزيرة الذي ظل داخل الغرف المغلقة دون علاج منذ سنوات عديدة.. فهجره إنسانه ليصبح هائمًا على هوامش العاصمة الخرطوم، ومغامرًا في المهاجر.. غير أن أكثر المواجع والجراحات إيلامًا على مواطن الجزيرة وبالأخص في شقها الغربي هي قضية طريق (المناقل 24 القرشي) الطريق «اللغز» الذي حار أمره.. والمواطنون هناك يحلمون بمشروع طال انتظاره وتطاولت سنواته وهو في الخيال وبين الأولويات المبعثرة والميزانيات الخجولة يأبى أن يكون حقيقة ولكنه بات أسفًا وسرابًا يحسبه المواطن «طريقا». والحكومة المركزية يبدو أنها ما زالت تتمادى في إبقاء هذا المشروع هكذا بلا حراك وبلا تنفيذ؛ لأنه أيضًا بلا وجيع ولا تسنده إرادة حزبية أو قبلية أو جهوية، فالحكومة لا تعرف معيارًا آخر لقسمة السلطة والتنمية سوى هذه المعايير الثلاثة، وأن الذين يبحثون عن تنمية أو مشروع غائب عليهم أولاً يحددوا وجهتهم وهويتهم وانتماءاتهم حتى ينالوا نصيبهم في التنمية هكذا هو لسان حال الدولة الذي لا تنطق به إلا خفية وتحت ستار. والوالي هناك في قصره كأن الأمر لا يعنيه، والتنفيذيون والمهتمون بأمر التخطيط والتنمية يعملون بلا أفق وبلا إرادة وبلا مسؤولية. إذن كيف هو المستقبل الذي ينتظر طريق «القرشي/ المناقل» الذي تؤكد الحقائق أن هذا المشروع ظل بلا إرادة منذ 1983م وظل كذلك تتجاهله الحقب السياسية وتتقاذفه الميزانيات العامة بعيدًا عن اعتماداتها وأولوياتها.. والطريق الآن في حالة يرسى لها وإن كل الذي استطاعت أن تنفذه الشركة المنفذة حتى الآن أكوام متناثرة من التراب لا تتعدى بضع كيلو مترات، عمقت الأزمة وضاعفت المعاناة بدلاً من معالجتها والمشكلة الأكبر في أن الحقيقة غائبة تمامًا الوالي بعيد ومنشغل فيما لا يهم المواطن ومن ثم لا يعلم، أما معتمد المناقل فهو في وادٍ والمواطن في وادٍ آخر، والنواب نائمون صامتون لا يتحدَّثون).