لم تقتصر حقوق الإنسان وتظل محصورة في الغذاء والكساء وتلبية حاجات المعاش، بل تمددت تلك الحقوق لتشمل الرأي واحترام الرأي الآخر، وبالتالي طرقت كل المستويات وتجاوزت ما هو معهود من حقوق تقليدية ومساحات كانت لوقت قريب ذات حدود معروفة، وليست في حاجة إلى ضبط و ترسيم. وحقوق الإنسان في ديننا الإسلامي تظل هي النموذج الذي ينبغي أن ترتقي له كافة الجهات الدولية، وخاصة المنظمات الحقوقية التي ترفع عقيرتها، في كل محفل مدعية أنها هي التي تدافع عن الإنسان وتحافظ على كرامته بالرغم من ضيق القضايا التي تهتم بها ومحدودية الحقوقالتي تدَّعيها. و الإسلام، هذا الدين الخاتم، الذي لن يقبل المولى عز وجل ديناً سواه، هو الذي نصّ على ضرورة أن يضطلع بنو آدم بهذه الخلافة، حفظاً لكرامة الإنسان التي قررها القرآن وفقاً لما تقتضيه الآية الكريمة: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» الإسراء70. و التفضيل هنا يأتي منوطاً للتكليف الذي بموجبه تم تمكين الإنسان براً وبحراً وجواً، في حرية واستمتاع بحقوق ليس لها نظير ولا يضاهيها شبيه. ومهما أدعى المدعون بأن الإنسان وأي إنسان وفي أي دولة مهما تجاسر حكامها،لا يمكن لهم أن يكفلوا حقوقاً بمثل تلك الحقوق التي تضمنها الإسلام في شريعته ومناهجه وأصول حكمه. والحقوق في الإسلام، لا تنفرد بها طائفة أو يصادرها فرد لمصلحته، ولكنها حقوق موزعة على الكافة بموجب نسق يتنافى معه سلوك التطفيف والكيل المزدوج الذي تتبعه منظمات حقوقية برغم ادعائها بأنها من أجل الإنسان وحقوق الإنسان. والراعي في الإسلام، له حقوق و عليه واجبات، ومن حقه أن يجد الطاعة ويؤطر طريق حكمه وقيادته للأمة وفقاً لمعايير العدالة والسماحة ومفارقة الطغيان وإلا فإنه سيفقد الحق الذي أوجب للأمة طاعته. والرجل العادي، الذي هو من غمار النَّاس وبسطائهم،لا يغمط له حق، ولا تنتهك له حرمة، بدلالة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال: «رُبَّ أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره». وكما أن للمرأة حقوقاً وللطفل حقوقاً، وللمعاقين حقوقاً، فإن جميع تلك الحقوق لا تكتسب بمطالبة برلمانية وإنما هي حقوق أصيلة لا يسمح بانتهاكها، ودون ذلك أكثر من خط أحمر وإشارة تنذر بعدم الاقتراب. وحقوق الإنسان في الإسلام، ليست منحة تقدَّم ولا امتيازاً يوهب، لكنَّها من الأركان والأسس، لمن شهد بالله رباً وبمحمد رسولاً. أما عندما نتحدث عن الحرية، كحق أصيل، فليس باستطاعتنا أن نتجاوز ذلك الذي صدع به سيدنا عمر بن الخطَّاب، عندما استدعى عمرو بن العاص رضي الله عنهما فور تلقيه نبأ السب الذي قاله ابن عمرو بن العاص لأحد أبناء رعيته، عندما كان والياً على مصر، بقوله «يا ابن السوداء» في إشارة إلى أن المسبوب عبدٌ أسود، فكانت المساءلة من الخليفة الراشد لواليه على مصر، «متى استعبدتم النَّاس يا عمرو وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». فالحرية وسعتها، والتكريم ومداه، والاحترام في أعلى مراتبه، ومغازيه لا يمكن لنا أن ننسبه لمنظمات حقوقية، بدأت تتاجر بقضايا الإنسان كما يتم ترويج البضائع في الأسواق، وعلينا أن ندرك بأن حقوق الإنسان، ليس من سبيل لإقرارها ولا من منهج، ييسر الطريق نحو تحقيقها، إلا بفضح منظمات كثيرة، اتخذت من مثل تلك اللافتات مظلة لتجعل من الإنسان ذليلاً وحقيراً، ولا يساق إلا كما تساق الأبقار والأغنام.