من المواقف الطريفة التي حدثت وقائعها في معسكر مفتوح للمرابطين الجزئيين بسوبا الأبحاث، أن السيد عبد الرحمن الخضر كان في جولة جنوب شرق الخرطوم وتزامن مروره بميدان المعسكر مع أذان المغرب فترجل ليصلي مع المرابطين والمجموعة المرافقة بذلكم الميدان. المعلم أو «التعلمجي» الذي أُوكلت له مهمة التدريب في ذلك المعسكر.. لم يصدق هذه الزيارة التي هي فتح من الله موجهة لهذه المجموعة الخارجة للرباط في سبيله... جمع قوته في وقت وجيز وطلب تقديم عرض للسيد الوالي الذي ما أن أذن له حتى أعد طابوره في وضعية الانتباه ورفع صوته بالنداء «معتداااال مارش هال هج .. هال .. لليمين دُر للشمال دُر خلف دُر هال هج هاااال». المتدربون حديثو العهد بالعسكرية والتدريب اتخذ كل منهم اتجاهاً مغايراً للآخر ولم يتبق منهم إلا ثلاثة من قدامى المحاربين... شكرهم السيد الوالي على الهمة والنشاط والرباط... إلا أنه قال في نهاية كلمته «غايتو طابوركم مطرة ساكت»... هذا التعليق الغارق في العسكرية ينبئك بأن هذا الرجل عسكري من الطراز الفريد... نال تدريباً عسكرياً أمنياً لا أعرف أين، ولكنه على أعلى مستوى... فهو كما لمسنا نحن ملم بكل التفاصيل الخاصة بالتدريب والخطط الأمنية الإحترازية... شرّف ذات يوم احتفالاً لقوات مغادرة لمناطق العمليات أيام كان والياً على القضارف، استأذنه قائد الطابور للمرور والاستعراض، إلا أنه رفض منحه الإذن في بادرة تُعد الأولى في الطوابير على مستوى السودان إن لم تكن على مستوى العالم، وقال: «أنا ما داير طابور سير... داير أشوف فك وتركيب»!! ويعني فك وتركيب السلاح... فأُسقط في يد قائد الطابور والقائمين على إعداد القوات وتجهيزها... وبدأ العرض الذي لم يكن أصلاً في البرنامج أو حتى في البال!! واختلط الحابل بالنابل وكادت البنادق «بسوانكيها» المشرعة تخترق بعض الرقاب، وعندها طلب سعادته إيقاف العرض وقال: «أتريدون أن أرمي بكم في التهلكة ولم تتعلموا بعد أبجديات المعارك»؟ ثم قال: «تبقى هذه القوة لمزيد من التدريب خاصة فيما يتصل بفك وتركيب ونظافة وموانع السلاح». عسكرية السيد الخضر ربما هي التي جعلته متفرداً في نظرته للقضايا الأمنية، همه الأول أن يبيت المواطن آمناً في سربه... وهذا الاهتمام الكبير منه ومن حكومته، قابله اهتمام غير مسبوق من وزارة الداخلية ورئاسة قوات الشرطة هو الذي أدى لتحديث وتطوير مقدرات الشرطة في ولاية الخرطوم بصورة تجاوزت كل ما قدمته الحكومات للشرطة منذ تأسيسها أواخر القرن قبل الماضي... وعلى سبيل المثال فإن منظومة القيادة والسيطرة التي هي بمثابة طفرة تقنية كبيرة لمساعدة الشرطة في تدابيرها المنعية ونقلة حضارية، جعلت الشرطة السودانية في مصاف الدول المتقدمة وبغض النظر عن تكلفتها في مراحلها الأولى ما هي إلا قطرة في محيط المشروعات الداعمة للعمل الشرطي، ودونك على سبيل المثال فقط إيواءات القوات وعربات النجدة والدوريات والسواري وعربات وآليات الدفاع المدني التي تجاوزت فيها قيمة عربة السلم المخصصة للبنايات العالية فقط العشرين مليوناً من الجنيهات. أنا شخصياً كنت أعتقد أن السيد الوالي وحكومته أعطوا اهتماماً خاصاً هذا العام للأمن بالولاية لأن ما قامت به هذه الحكومة في العام الفائت في مجال الخدمات تجاوز كل الوعود والأحلام، إلا أن تقديراتي لم تكن صحيحة، فالمشروعات الخدمية الأكبر هي التي افتتحت هذا العام، ويكفي أنه في الاجتماع الأول للجنة العليا لاحتفالات الولاية التي ترأسها سعادة المعتمد برئاسة الولاية اللواء الدكتور عبد الكريم عبد الله الرجل الذي يعمل بماكينة ستمائة حصان، ولا أتمنى لنفسي أو لعزيز لدي أن يعمل معه، رأت اللجنة أن كل هذا الكم من المشروعات لا يمكن افتتاحه في المدى الزمني لأعياد الإستقلال، فقامت بانتداب لجان وزارية فرعية للوقوف على المشروعات الأكبر حجماً والأكثر جاهزية لتدشينها أو افتتاحها، وعادت اللجان بتقارير احتاجت اللجنة العليا ثلاثة أيام لاستعراضها «طرق مواقف - مواصلات، محطات مياه، منشآت أمنية، أستادات ودور شبابية، مدارس، إسكان وغيرها» وجميعها مشروعات إعجازية وغير مسبوقة.. ويتجاوز نصفها ما وعد به الوالي مواطنيه في برنامجه الانتخابي، وحتى لا تذهبوا بعيداً، فأنا لست من مريدي السيد الوالي وإذا رشح نفسه لولاية ثانية، ويقيني أنه لن يفعل إلا مكلفاً مضطراً فلن أعطيه صوتي ويكفي أنه في خطابه الأخير بمعسكر الشهيد عبد الباسط قبيل تخريج الدفعة الأخيرة من مستجدي شرطة الولاية قال: «وكما وعدناكم سابقاً ونفذنا وعدنا الخاص بدعم رجال الشرطة في الولاية فإننا نعلن مضاعفتنا لهذا الدعم»... هللنا وكبرنا نحن مجموعة الضباط الذين كنا مصطَّفين أمامه في الخط الفاصل بينه وبين القوات التي علا تكبيرها وتهليلها... نظر في اتجاهنا مع شيء من التركيز عليّ أنا شخصياً ربما لأني كنت الأعلى صوتاً أو هكذا ظننتُ، ثم قال: «الدعومات دي للصف، والجنود والضباط ما داخلين فيها»!!