توقع بعض المتابعين للشأن السياسي أن يكون التئام اجتماعات مجلس شورى المؤتمر التي بدأت اليوم الخميس، انعاطفاً بخطوة تراجعية متساهلة في العلاقة مع دولة الجنوب، كما راجت شائعات قبل أيام بأن هناك ضغوطاً مكثفة على الحكومة من قوى دولية لإجبارها على التفاهم وحل الخلافات مع دولة الجنوب والإذعان لمقترحات الوسطاء الأفارقة في أبيي، وطي ملف البترول والحدود بما يرضي جوبا أولاً. وذهب الظن بفريق من المشتغلين في الساحة السياسية ومن المقربين للمؤتمر الوطني والحكومة للترويج لهذه الفكرة التي يرون فيها مصلحة للبلاد ووقف للحرب، وتقديم فروض وفرائض السلام والتسوية السياسية على كل دعوات الدفاع عن المناطق الحدودية وحسم التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومواجهة مؤامرات الحركة الشعبية وأذنابها وعملائها بالداخل وفي الخارج وعلى الحدود. وبدا الأمر كأن هناك تقاطعاً بين مدرستين داخل المؤتمر الوطني والدولة، بحيث تتبنى كل منهما رؤية مختلفة في مسألة العلاقة مع دولة الجنوب. لكن اجتماعات الشورى جاءت عكس توقعات البعض، فحديث الرئيس البشير كان قوياً وواضحاً بأنه لا رجعة عما تم حتى الآن، ولا مجال للتنازلات، ولا بد من حسم الملف الأمني مع دولة الجنوب قبل الشروع في تنفيذ بقية الاتفاقيات الموقعة بحضور الرئيسين في «27» سبتمبر من العام الماضي، ولا تعديل ولا تبديل في هذه الاتفاقيات. وجاء بيان الشورى الختامي مؤكداً هذه المواقف، مما يؤكد أن الحكومة وحزبها لا يأبهان للضغوط والوعيد الخارجي الذي تكاثف خلال الفترة الماضية، وتم التلويح بقرارات من مجلس الأمن الدولي بتواطؤ من مجلس السلم والأمن الإفريقي، بالرغم من النجاح النسبي الذي تحقق عبر عمل واتصالات دبلوماسية نشطة خلال الفترة الماضية مع العديد البلدان الإفريقية خاصة المؤثرة منها في الفضاء الواسع للقارة السمراء. ويترافق مع هذا الاجتماع وما خرج منه في شورى المؤتمر الوطني انطلاق حملة تعبوية في إطار التعبئة والاستنفار لمجابهة التحديات التي تواجه البلاد، والاستعداد لجدل ومعركة سياسية طويلة حول الدستور، والاستعداد للانتخابات القادمة خاصة دعوة الرئيس للأحزاب السياسية إلى الاستعداد لها منذ الآن، حيث ستجري بعد عامين من الآن في كل المستويات من رئاسة الجمهورية إلى انتخابات الولاة والانتخابات النيابية والتشريعية. والمؤشرات العامة لاجتماعات الشورى تذهب في اتجاه تأكيد مواقف الحزب والحكومة بشأن العلاقة مع الجنوب، ولا يخفي عدد كبير من كبار المسؤولين في الدولة ضجرهم من مماطلات دولة الجنوب وخداعها ومراوغتها في تنفيذ الاتفاقيات ونواياها المبيتة لمواصلة دعمها للجماعات والحركات المتمردة، وعدم رغبتها في حسم قضايا الحدود والترتيبات الأمنية ومسألة أبيي و «14 ميل» وحشدها لقواتها في المناطق الحدودية، وسلوكها العدواني ضد البلاد. وإذا كانت هناك مجموعات داخل المؤتمر الوطني تريد التفاوض الذي لا يفضي لنتيجة مع دولة الجنوب على الطريقة والمنهج، فعليها أن تتراجع قليلاً ولا تعلق آمالها على حبال السراب، فلا ثقة للشعب السوداني في حكومة الجنوب، ولا يمكن تقديم تنازلات جديدة بعد التفريط الكبير الذي تم منذ نيفاشا وحتى اليوم، وقد ثبت من التجربة أنه لا سبيل لتسوية سياسية عادلة مع جوبا في ظل الظروف الحالية، حيث تُفرض اشتراطات وتمارس ضغوط ظالمة من بعض القوى الدولية الكبرى وربائبها في الإقليم، ليقبل السودان بما يُملى عليه وما يحقق مصالح دولة الجنوب وليس مصالحنا نحن. فإذا كان منهج التعامل الجديد الذي وضعه المؤتمر الوطني للتعامل مع الحكومة هو تفسير وتفصيلات لما ورد في خطاب الرئيس أمام شورى الوطني وما دار من مداولات، فيجب اتباع ذلك بحملة سياسية وتعبوية شاملة، ومراجعة كثير من السياسات في الولايات، وحل المشكلات التي أعاقت التقدم في عمليات حسم التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومعالجة أوضاع الدفاع الشعبي والمجاهدين والمرابطين في المناطق الحدودية، وتعزيز وجود القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وتطمين الأهالي خاصة القبائل الرعوية في الحدود، وسد الذرائع أمام أية اختراقات ووجود لحركات متمردة، وإنهاء حالة اللاحرب واللاسلام.