يحكي القرآن الكريم قصة ذي القرنين في رحلاته الثلاث إلى المغرب وإلى المشرق، والثالثة إلى مكان بين السدين!!. وقد مكن المولى عز وجل فأعطاه سلطانًا قوي الدعائم، ويسر له أسباب الحكم والفتح، وأسباب البناء والتنمية والسلطان، ومضى فيما هو ميسر له!!.. عند مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة، والحمأ هو الطين اللزج، والقصة لم تحدد مكان مغرب الشمس لكنها قدمت مواصفاته وهنا نجد لب القصة، السياسة التي يحكم بها ذو القرنين البلاد التي دانت له، فقد خيره الله في أمره، إما أن يعذب، وإما أن يتخذ فيهم حسناً!!.. وأعلن ذو القرنين دستوره الذي سيطبق سياسته وفقهه، الظالم سيعذب دنيوياً وبعد ذلك يردون إلى المولى عز وجل ليعذبهم عذاباً نكرًا، أما الصالحون فلهم حسن الجزاء والتكريم والمعاملة الطيبة!!.. إنه دستور الحكم الصالح، المؤمن الصالح يجد فيه التكريم وحسن الجزاء عند الحاكم، والمعتدي المجرم العذاب، فالمجرم إن وجد الجزاء والصالح إن وجد التكريم عند الحاكم، حينها يجد الناس ما يحفزهم على الصلاح والإنتاج، أما حين يضطرب ميزان الحكم كما يحدث الآن، فإن المفسدين مقربون إلى الحكم، يتقدمون الدولة، والعكس يحدث للصالحين الذين لا يجدون إلا الإقصاء والحرب فيبعدون كما ورد في آية أخرى عن قوم لوط (اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) عندها تتحول السلطة في يد الحاكم إلى سوط عذاب و أداة إفساد، وتعم الفوضى والفساد!!.. هذا ما كان من رحلة ذي القرنين إلى المغرب وبعد أن أرسى الدستور الإلهي في المغرب توجه إلى المشرق، لم يحدد القرآن الكريم المكان لا في المغرب ولا في المشرق، واكتفت الآيات بتحديد طبيعة كليهما!!.. فالأرض في المشرق كانت أرضاً مفتوحة لا تحجبها عن الشمس جبال ولا أشجار وهو وصف ينطبق على الصحراء والسهول المنبسطة، وقوم متخلفون بدائيون وربما عراة فالذي يمكن أن يفهم من الوصف القرآني (لم نجعل لهم من دونها سترا) إنهم عراة!!.. (ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا، قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً). وما كان ذو القرنين ليأخذ منهم أجراً فهو لم يأتِ لهذا إنما جاء ليبلغ رسالة الإسلام وليحمي البشرية من ظلم الظالمين!!.. أرض مفتوحة للغزاة، يجب وضع إستراتيجية دفاع محكمة وهذا يتطلب درجة عالية من العلم والتقدم التكنولوجي، والقوم متخلفون جهلة، بدائيون كما وصفتهم الآية لا يكادون يفقهون قولاً!!.. لكن المنهج الصالح الذي اتبعه ذو القرنين في مقاومة الفساد في الأرض جعله يرفض المال ويتطوع لله تعالى لإقامة سد يحجز عنهم عدوان يأجوج ومأجوج!!.. وهنا يبرز إعجاز الإسلام، المعروف أن السدود من أعقد المنشآت وكذلك تكنولوجيا صناعة الحديد فهي أعقد أنواع التكنولوجيا والقوم الذين سيقومون بأعمال البناء قوم بدائيون عراة لا يكادون يفقهون قولا كما وصفتهم الآية الكريمة، رغم ذلك قرر ذو القرنين بناء إستراتيجية دفاع على أعلى مستوى تقني وقد استفاد من قوتهم البدنية وأقام السد الذي حماهم من العدوان!!.. استخلص ذو القرنين سبيكة قوية من الحديد والنحاس (القطر) وهذا ما يستخدم الآن في صناعة الحديد!!.. لم يدعُ الرؤساء لحفل الافتتاح ولم يقِم الولائم ولم يثنِ على نفسه، فالعمل مقدم لله خالصاً (قال هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء، وكان وعد ربي حقا)!!. لم يقل كما يقول البعض اليوم (ما أظن أن تبيد هذه أبدا) كما يتشدق البعض بالقول نسلمها لعيسى، ولم يرد لا في القرآن ولا السنة أن عيسى عليه السلام يملك توكيلاً إلهياً باستلام الدنيا..!! وهل سيبقى ما يمكن تسليمه لكائن من كان وأرض السودان تنتقص من أطرافها بسبب الاتفاقيات المملاة علينا التي تجاز بلا مناقشة ولا تعديل..؟! إن أقبح الذنوب هو خيانة الأمانة، والأمانة هنا أمانة إلهية (إني جاعل في الأرض خليفة) تلك الأمانة التي وصفها المولى عز وجل بأن الجبال أشفقن منها وحملها الإنسان الظلوم الجهول..!! بماذا سنجيب المولى عز وجل حين يطلب أمانته؟ هل سأل من يحكم نفسه هذا السؤال؟ وهل أعد الإجابة الشافية المقنعة؟!.. وإذا استنجد القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا بذي القرنين عليه السلام الذي قام بالعمل وتبرأ من قوته إلى قوة الله، وفوض إليه الأمر قال قولته هذا رحمة من ربي!!.. إن يأجوج ومأجوج اليوم يملكون ناصية التكنولوجيا ويقصفون أراضينا وأصبحنا بالفعل لا نكاد نفقه قولاً، لا نناقش العدوان من حيث هو عدوان إنما نناقش الوسيلة المستخدمة أهي طائرات أم قنابل أم صواريخ ونتعجب بالدقة التي تم بها العدوان ونثني عليها، ولا نرجو من ذي القرنين (فهو ليس ببناء لنقيم بيننا وبينهم سدا)..!! فذو القرنين يمكن أن يتمثل به أي حاكم ليكون عادلا، فالقصة القرآنية للاعتبار وأخذ القدوة، فالله أكمل لنا ديننا وما عادت هناك حاجة لابتعاث نبي جديد، فالقدوة موجودة ولكنها ضاعت بين أدغال الفساد وصحراء الطغيان!!.. فكل حاكم مسلم إن اقتدى بأنبياء الإسلام وقصصهم القرآنية وسار كما ساروا وقادوا شعوبهم نحو الحرية والعدل لكان لشعوب المسلمين وقياداتهم شأن في الدنيا والآخرة..!! فهل من مدكر؟!!