يبدو أن قوات قطاع الشمال تهتم الآن باحتلال مناطق ولاية النيل الأزرق التي كان واليها هو مالك عقار القائد الأعلى لهذه القوات لتضاف إلى ما تحتله في ولاية جنوب كردفان التي يتمدد فيها تمرد قطاع الشمال إلى حد ما. أو كأن مالك عقار يسوؤه تمدد نشاط التمرد في جنوب كردفان بصورة أكبر من تمدد نشاطه في ولاية النيل الأزرق التي ينتمي إليها. لكن بالطبع الحسابات العسكرية على الأرض تختلف وهذا ما دل عليه تحرير منطقة «مفو» الواقعة جنوب غرب ولاية النيل الأزرق، فقد احتل المتمردون المنطقة لكن سرعان ما قام الجيش بتحريرها وإحكام السيطرة عليها فالظروف العسكرية في ولاية النيل الأزرق تبقى لصالح الجيش السوداني، وليس هذا الآن فحسب بل من أكثر من عقدين، فحينما كان التمرد بقيادة جون قرنق وفي عهد النظام الديمقراطي في الثمانينيات يحتل بعض مناطق النيل الأزرق مثل الكرمك كان الجيش السوداني رغم أزمته اللوجستية وقتها يدحر التمرد ويحرر الأرض، وحينما كانت إسرائيل تدعم المتمردين كان صدّام حسين يدعم الجيش السوداني. المهم في الأمر أن ولاية النيل الأزرق كانت وما زالت عصية على التمرد سواء تمرد قرنق أو التمرد الموروث من قرنق. لكن مالك عقار يسوؤه أن تحتل حركته مناطق في ولاية جنوب كردفان التي ينتمي إليها رفيقه عبدالعزيز الحلو من ناحية أمه وتعجز عن احتلال مستمر لمناطق ولايته. وإن كان غاضباً من هذا فلماذا يغضب وقد كان والياً للولاية نفسها وتمّرد انطلاقاً من موقعه وكان المفترض أن يفصلها عن السودان ما دام تمرد فيها وهو واليها لكنه رغم تمرده تركها للسلطات السودانية و«كأنك يا أبوزيد ما غزيت». إذن هو عدم قابلية ولاية النيل الأزرق لما يمكن أن تقبله ولاية جنوب كردفان من الناحية الجنوبية القريبة من حدود عام 1956م الفاصلة بين دولتي السودان وجنوب السودان. في جنوب كردفان مازالت كاودا تحت احتلال الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان، أي أنها تحت احتلال دولة جنوب السودان حتى ولو كانت القوات الموجودة فيها تنتمي إلى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وكتشنر حينما احتل السودان كان من ضمن قوات الاحتلال سودانيون يدّعي الآن أبناؤهم وحفدتهم أنهم وطنيون. والحكم البريطاني استعان بعناصر سودانية كان يُفترض أن تقاوم الاحتلال لكنها كانت تحميه وتخوض لصالحه الحرب العالمية الثانية. الآن الجيش الشعبي يحتل مناطق سودانية فمن هو قائد الجيش الشعبي الأعلى؟! أليس سلفا كير؟!.. من هو قائد أركانه؟! أليس الفريق جيمس هوث؟!. إذن هو الاحتلال بأبناء الوطن على طريقة «من دقنو وأفتلّو».. عبد العزيز الحلو خاض انتخابات الولاة الماضية وقد كان نائباً للوالي في كادقلي مولانا أحمد هارون لكن فاز الأخير، فلم تجامله الحكومة بإعطائه نتيجة زائفة كما فعلت مع مالك عقار ليكون والياً مثله بدون شرعية انتخابية، فالحكومة ترى أن الزهد في هذا الحق الانتخابي وتحويله إلى عقار أملته ضرورة أمنية، وهذا ما نفخ عقار بالغرور وجعله يتحدّث عن سلطان وجيش له كما للرئيس البشير، وكلما زاد كأساً زاد غروره وأصبح كالقط يحكي انتفاخاً صولة الأسد.. وتمرد وهو والٍ لكنه ترك الجمل بما حمل، وعاد إلى أيام تمرده الأولى لكن هذه المرة تحت قيادة سلفا كير.. ولاية النيل الأزرق يقوم شعبها على ثقافة دينية وقيم أخلاقية لا تسمح بأن يكون مالك عقار عظيماً فيها، فهو فقط عظيم الذين تمردوا معه من أبناء الولاية القلائل على رأسهم سيف الدين البلولة. ترى أين هذه الشخصية الآن؟ فقد جاء مع وفد المقدمة عام 2003م بقيادة باقان ولم يظهر بعد ذلك. هل طالته يد الغدر والانتقام؟! المهم أن النيل الأزرق لحفدة دنقس وود عدلان وأمثالهم وليس عقار وسلفا كير.