ما يدور في المجتمع من أحداث وظواهر تصادم الفطرة، والتفسخ والتردي الأخلاقي الذي وصل بنا للحضيض، يجعل من الضروري للغاية أن تشمِّر الدولة عن ساعد الجد وتجلس لمناقشة هذه الأمور بجدية وعقل وحسم حتى لا تحل الكارثة بمجتمعنا وينفرط الحال، ويصعب الفتق على الراتق.. قبل سنوات شنَّ من يتسمَّون بالمستنيرين من أهل الحكم في تناغم غريب مع العلمانيين واليساريين، حملة شعواء على قانون النظام العام، وصُمِّمت معركة في غير معترك، حتى تراخت الحكومة وفقدت حماسها لمحاصرة الظواهر السالبة وقلَّمت أظافر الشرطة وأجهزة الضبط الاجتماعي وقيَّدت السلطات التي كانت قادرة على تقليل التداعي الخطير ووقف سقوطنا العمودي إلى القاع... والآن نحن ندفع الثمن الباهظ جداً، بعد ثلاثة وعشرين عاماً من حكم الإنقاذ ودولة الشريعة ومشروعها الحضاري، بعد أن تحولت الدولة من فكرة ومشروع إصلاح اجتماعي وسياسي وثقافي، إلى مجرد أدوات سلطوية حاكمة تحالف معها المال ورجال الأعمال وتنافسوها كما تنافسوها، وصار أرخص ما في واقعنا همّ التربية وصون المجتمع وتطهيره وتزكيته وتنشئة الأجيال الصاعدة على هدى من الله ورضوان.. الأحداث التي تحدث كل يوم يشيب لها الولدان ويهتز لها عرش الرحمن، لا تهز كراسي الحكم ولا تزلزل قواعده، ولا تثور في أصحابها ثائرة تقتلع هذا الإفساد المخطَّط له وتديره منظمات سرية معروفة تتغلغل في مجتمعنا وتتحصَّن وتستقوي أحياناً بنفوذ.. الله وحده يعلم من أين؟ تساهلت الحكومة من سنوات مع كل وافد وقدمت تنازلات كثيرة في المصادقة على تشريعات واتفاقيات دولية قيدت بها نفسها، وتعامت أعينُها عن منظمات محلية وأجنبية تعمل بهمَِّة ونشاط داخل المجتمع وشركات كالتي كشفناها في «الإنتباهة» (DKT) الأمريكية وفرعها في السودان التي توزع الموانع الجنسية لتحديد النسل والواقي الذكري وتشجِّع على استعماله ويوزَّع مجاناً في كل منافذ التوزيع والبيع في الصيدليات والأكشاك والطبالي وعند الباعة المتجولين.. وتغافلت الدولة عن نشاط الآلاف من ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني التي تكاثرت مثل البكتريا وتم التسجيل والسماح لعشرات الآلاف من المنظمات بالعمل دون أن تكون الضوابط والمتابعة صارمة ولصيقة وقوية، فتم اختراق الكثير منها من قبل جهات في الخارج ونشأت شبكات لهذه المنظمات، ترتب وتنظم العلاقات مع الخارج، حتى صار للمثليين علاقات ومنظمات تجمعهم وتتعهد بحماية حقوقهم المدَّعاة... ولم تكن الأجهزة والمؤسسات الرسمية المنوط بها مراقبة ومتابعة عمل هذه المنظمات قوية بما يكفي للقيام بواجباتها مثل مفوضية العون الإنساني، فهي جهة ديوانية لديها تعقيدات إجرائية وتصديقات تمنحها وسلطة محدودة للغاية في أعمال الضبط والمراقبة والمحاسبة والتشديد عليها.. فالواقع يقول إن الشرطة قُيِّدت بقوانين ومخاوف من العالم الخارجي وفزاعة حقوق الإنسان وشُلَّت أياديها، ووقفت المؤسسات الأخرى تتفرج لأن القوانين والتشريعات غير رادعة وتطبيقات الشريعة الإسلامية غير منفَّذة وتتحاشى الحكومة التعامل بالعزائم في إنزالها وتبحث في الغالب عن الرخص والتيسير وإيجاد كل دريئة عند الحكم والتطبيق... الأوضاع لم تعد تحتمل أنصاف الحلول، فهي تحتاج لجراحة عميقة ومؤلمة للغاية، وإلى وضع رؤية وتصوُّر متكامل للمشكل الاجتماعي والأخلاقي الكبير، وعلى قيادة الدولة أن تولي ما يحدث وما يقع من ظواهر غريية وشاذة في المجتمع السوداني كل اهتمامها، لأن العواقب ستكون أوخم مما نتصور، وفي مقدمتها غضب وحرب من الله علينا بما اقترفناه من سلوك وما جنيناه من تفريط.. المسؤولية الدينية والوطنية تقتضي ألّا تنام أعين المسؤولين وأولي الأمر ولا يهدأ لهم بال، حتى تعود الأمور إلى الجادة ويبدأ عمل حقيقي لمداواة هذه الأمراض العضال. لم يعد هناك ما يقبل القسمة على اثنين على الإطلاق...