«عظّم الله لحظات الفراق» مقولة شهيرة يرددها الكثيرون لحظة وقوع الفراق، هي لحظة تعجز الكلمات عن التعبير عنها، ونقلاً عن إذاعة «البي، بي، سي» هنالك دراسة عن مدى تأثير فقدان الأعزاء على القلوب، حيث أثبتت وجود تغيرات مفاجئة قد تؤدي بالقلب إلى الوفاة عند سماع خبر مؤلم بخصوص فقدان شخص عزيز. وقد يكون الفقدان نتيجة للوفاة أو السفر أو فراق قهري نتيجة لظروف معينة ولكن تتفاوت قوة الاحتمال من شخص لآخر، قمنا بإجراء استطلاع لمعرفة تأثير لحظات الفراق وفقدان الأعزاء على الأفراد كما ختمنا استطلاعنا برأي الطب النفسي.. كتبت: سحر بشير سالم لا أحتمل لحظات الفراق وفقدان الأعزاء هكذا ابتدر أحمد حديثه واسترسل قائلاً: فقدت اثنين من أولادي والحمد لله صبرت واحتسبت لكني لا أقوى على فراق أهل بيتي عند السفر، فأقوم بافتعال المشكلات مع أسرتي قبيل سفري بيوم حتى أخرج من المنزل مغاضبًا دون وداع أي شخص مع أن نياط قلبي تتمزق من الفراق والوداع. س، م لها قصة مع فقدان الأعزاء حيث فقدت والدها في سن مبكرة وكان هو السند والمعين لها في الحياة وكانت شديدة الارتباط به وبعد فقدانه فقدت حتى الرغبة في الحياة تحكي «س» قصتها قائلة: كان أبي عليه الرحمة هو نعم الأخ والصديق والأب وبعد وفاته تركت مقاعد الدراسة لسنتين على التوالي ولكن تدريجيًا بدأت أتأقلم على شكل حياتي بدونه ومع ذلك مازالت تنتابي لحظات من الحنين لوجوده في حياتي هذا مع إيماني التام بالقضاء والقدر، وحقيقة فقدان الأعزاء جرح لا يندمل مع محاولاتنا الجادة للتناسي. يقص لنا «م. ن.» مأساته كما يسميها: فقدت والدتي لحظة خروجي للحياة وتبعها والدي بعد بلوغي سن الثالثة وتربيت في كنف جدتي وعندما فقدت جدتي حينها فقط شعرت بمرارة فقدان الأعزاء! فقد كانت هي الأم والأب والجدة والصديق ولم أحتمل فقدانها وأنا كنت في المستوى الجامعي شابًا يافعًا وبعد وفاتها أصبحت تنتابني موجات من الوهن والضعف حتى تبين لي إصابتي بداء السكر وحدث ذلك عندما تلقيت نبأ وفاتها. توفي زوجها وهي في ريعان شبابها وعندما تلقت نبأ وفاته لم تذرف الدمع وكأنها تكذِّب الخبر ومع مرور الأيام أصبحت كثيرة الشكوى من آلام وأوجاع تعاودها بين الحين والآخر، وأصبحت زبونًا دائمًا لعيادات الأطباء والنتيجة في كل مرة «الفحوصات نظيفة»، تضيف «م» لقصتها قائلة: رغم إيماني التام بقضاء الله الأ أنني حتى الآن لم أتعوّد على فراقي زوجي فقد تزوجته في ظروف استثنائية وكنا مثالاً للزوجين السعيدين وفجأة! فقدته في حادث حركة مشؤوم ومازلت أعاني من ويلات فقدانه في نواحي حياتي العامة والخاصة. رأي الطب النفسي.. الطبيب النفسي الدكتور عمرو إبراهيم مصطفى أفادنا معلقًا على الإفادات قائلاً: الفراق هو واحد من أكثر المشاعر الإنسانية المركبة، قد يصل فيها الألم لمرحلة فقدان الثقة بالنفس وهو من المشاعر التي تحز في نفسية الشخص نتيجة لاختلاط المشاعر مع بعضها البعض من خوف وغضب وحب وغيرة وإحساس بالذنب، فهو مشاعر مختلطة ومركبة ومتعددة فالإحساس بالخوف من الفراق والألم يولِّد نوعًا من حالة الضياع مصحوبًا بالغضب وعدة تساؤلات عن «ليه حصل كده؟» ، وكما أسلفت فإن فقدان الأعزاء يولِّد ضعفًا في الثقة بالنفس إذا كان الفراق بالوفاة أو الطلاق أو السفر، فيشعر الفرد بحالة من التوهان وينتابه إحساس بعدم مقدرته على مواجهة الحياة والمشكلات بدون ذلك الشخص الذي فارقه بالوفاة مثلاً، وفي حالة الطلاق يشعر الشخص بأنه شخص فاشل ولا يقوى على إقامة علاقات ناجحة. ويخلق الفراق حالة من الاكتئاب وينقسم إلى قسمين أولهما اكتئاب لحظي وهذا يكون مصاحبًا للحظة الصدمة الأولى ويمكن ملاحظته بسهولة من الأشخاص المحيطين بالفرد المعني مما يسهل عملية مساعدته للخروج من هذه الحالة والنوع الثاني يقوم فيه الفرد بكبت مشاعره لحظة الفراق الأولى ويحاول أن يتناسى ويتشاغل بأعمال يقوم بها ولكن في اللحظة التي يصفو فيها مع نفسه تطفو مشاعره على السطح معلنة عن نفسها ويبدأ في اجترار الذكريات وفي هذه الحالة لا يعرف الناس من حوله سببًا واضحًا للاكتئاب بعد مضي عدد من السنوات على وقوعه، فعلاج مشاعر الفراق يتم عبر اختراقها وعدم «اللف» حولها ولكن تركها جامدة له تأثيرات عضوية ونفسية فيما يعرف بالأمراض النفسجسمية فالجسم يفرز عدة هرومونات هرمون «الادرنالين» وهذا الهرمون يحفز الجسم على الهروب وهرمون «النور إدرنالين» يحفز الجسم على المواجهة و«الكرتوزون» يقضي على الإحساس بالتعب ويقوم الجسم بسحب الدم من باقي أجزائه ويركز على الأطراف حتى تقوى على المواجهة، وعند حدوث أي اضطراب في هذه الهرومونات يؤدي لنتائج عكسية، فزيادة هرمون «الكورتزون» يؤثر على مناعة الجسم ويجعله عرضة سهلة للأمراض. ومن الملاحظ أنه بعد حدوث صدمة الفراق غالبًا ما يصاب الفرد بأمراض مثل الضغط والسكري والإحساس الدائم بالتعب والإرهاق والصداع والغثيان وعدم النوم وقلة الشهية. وما الفراق إلا إحساس بالفراغ يجب أن يُملأ بالإيمانيات التي تزيد المقاومة والقوة والأمل في الحياة، أما إذا مُلئ هذا الفراغ بالوساوس والهواجس والخوف فهذا يؤدي للنظرة المتشائمة نحو الحياة والمستقبل والشخص نفسه، بالنسبة لحالة الشخص الذي يفتعل المشكلات عندما يكون على سفرٍ هذا الشخص حساس وعطوف ويشعر بألم مبالغ فيه لحظة الوداع ولكن تربيتنا السودانية تقف حائلاً أمام إظهار المشاعر فيعتقد أن التعبير عن حالته بالبكاء هو نوع من الضعف فليجأ لافتعال المشكلات حتى لا يوصف بالضعف.