كل العقلاء يدركون النهاية المتوقَّعة للرئيس بشار الأسد إلا هو، فالطغاة دئما في سكرة السلطة والنوم في خدرها اللذيذ عادة لا يقبلون ولا يصدِّقون أن كرسي الحكم قد بدأ يميد تحت أرجهلم حتى إذا انتظم كل الشعب ضدهم في صف واحد وإن حصدت آلة القتل أكثر من نصف شعبهم، ولا شك أن بشار أو الأسد الصغير تمرَّغ في جاه السلطة مع والده أكثر من ثلاثة عقود ولهذا فإن الفطام لن يكون صعباً فقط بل كان مهره أنهاراً من الدماء، فمنذ تولي الأسد الأب صلاحيات رئيس الجمهورية في العام «1970» ثم انتخابه في العام «1971» ليتولى الرئاسة بشكلها الرسمي لم تذق البلاد طعمًا للحرية وبات القمع وسجن المعارضين والتعذيب عنوانًا لحقبة طويلة امتدت حتى وفاته في العاشر من يونيو عام «2000» ليتولى ابنه بشار زمام السلطة مبشرًا بعهد جديد من الإصلاح السياسي يتحقق في الحريات وحقوق الإنسان في ظل قانون الطوارئ الساري المفعول منذ العام «1963» بيد أنه لم يفِ بوعده ولم يقدِّم إلا نسخة مستنسخة من والده الراحل، وحين انتشر الفساد وتفاقمت الأزمة الاقتصادية وازدادت حدة القمع وجيوش المعتقلين الذين يحتفل بهم الزبانية في المعتقلات السرية والعلنية وشمل حتى الأطفال الصغار بدأت الجماهير في الثورة حيث انطلقت الشرارة الأولى في يوم الجمعة الخامس عشر من مارس من العام «2011» من مدينة دمش ثم أعقبتها أخرى في اليوم التالي مظاهرة طالبت بفك سراح المعتقلين ثم في محافظة درعا حيث بدأت السلطات في سفك الدماء فقُتل حوالى أربعة متظاهرين وتوالت التظاهرات في تلك المنطقة وانداحت في العديد من المدن السورية في حين أخذ الجيش يقوم بعمليات القذف مما تسبَّب في وفاة العديد من المواطنين، وبحسب إحصائية سابقة تقول إن عدد القتلى برصاص أجهزة الأمن والجيش بلغ حوالى أكثر من ثلاثة آلاف في «2011» وتتصدر مدينة حمص السورية وسط البلاد قائمة الضحايا تليها مدينة درعا التي شهدت الشرارة الأولى للاحتجاجات فيما عرفت مدينة السويداء جنوب البلاد النسبة الأقل من القتلى بحسب أحد المواقع الإحصائية، وتقول اليونسيف إن 384 طفلاً قُتلوا في مطلع يناير «2012» وأثارت هذه المجازر الرأي العام العالمي بيد أن الاحتجاج لم يتبلور إلى سلوك عملي من الأنظمة الغربية والولايات المتحدة لكن حتى أدانتهم الخجولة تصدَّت لها روسيا والصين عبر فيتو مزدوج في أبريل من العام «2011» ثم أعادوا الكرة في أكتوبر أيضًا من نفس العام في حين لم تفلح الجامعة العربية في نزع فتيل العنف ووقف شلالات دماء الشعب السوري، وفشلت بعثة الجامعة العربية في الخروج بتقرير واضح يمثل مرآة حقيقية لما يجري في ساحات القتل والسحل، واضطرت لسحب بعثة المراقبة في الثامن والعشرين من يناير العام الماضي، واكتفي الأمين العام للأمم المتحدة كي مون بالشجب في أعقاب المواقف الدولية غير الضاغطة على النظام السوري ووصف ما حدث بالوحشية المروِّعة، ومازال الثوار يطالبون الدول الكبرى بأن تقدِّم لهم السلاح خاصة الأسلحة المضادة للطائرات التي تقوم بهدم المنازل على روؤس أهلها وتؤثر في ميزان القوة وتعطِّل مسيرة الخلاص لتستمر شلالات الدماء التي لم تتوقف منذ تفجير الانتفاضة، بينما يصر الرئيس بشار على عدم التنازل من سدة الحكم رغم أنهار الدماء التي لم تستثن حتى الأطفال والصبية ويحاول عبثًا مقاومة رياح الربيع الذي سبق أن اجتاح كلاً من تونس ومصر وليبيا... إنه شبق السلطة الذي لا يُفيق منه الطغاة إلا عندما تنزلق تمامًا أقدامهم من العرش، وحتى حدوث ذلك سيستمر حاكم سوريا في أمل التشبث بالحكم مهما كان الثمن وإن كان جماجم شعبه الأعزل بينما يتفرج المجتمع الدولي بسبب فوبيا الإرهاب والتطرف .