ربما نحن نعيش في عصر مستنسخ من عصر قبيلتي «يأجوج ومأجوج» حيث كانتا قمة الفساد الذي ضرب البلاد وآذى العباد ودمر المنظومة القيمية لشعب أهم ما يميزه هو الأمانة والصدق، وقد جاءت القبيلتان فعصفتا بهاتين القيمتين، لذلك كان بأس الله شديد. فعندما يستشرى الفساد إلى درجة يصعب ملاحقته لسرعة إيقاعه وكأنه في سباق مع الزمن لنهب المال العام لظن هذا الفاسد بأن هناك فسدة آخرون قد يسبقونه للغنيمة، لذا فإني لا أجد له وصفة علاجية تامة مضمونة النتائج، وليس هناك علاجٌ ناجع غير البتر!! هناك تجارب علاجات كثيرة لأمراض أكثريتحملها جسد المواطن السوداني الذي يتحمل الإنفاق على حكومة مترهلة بالكثيرين ممن لا حاجة فعلية لهم، ولتوفير الإنفاق فلا مناص من أن تفرض الجبايات فينوء بها كاهل المواطن المقهور، بينما يترك للفاسدين أو المتنفذين المتربحين إهدار وبيع مؤسسات القطاع العام والتفنن في تجزئتها، في حين أن الرقيب يغط في نومٍ عميق وذلك ليغطي العجز في الموازنة بطرق «إبليسية». كل هذه الجرائم المستحدثة هي نتاج شعور فئة من الذين ماتت ضمائرهم الوطنية والإنسانية لدرجة الاستهانة واللا مبالاة عند تعديها بدمٍ بارد على المال العام. وعندما بدأت الأيادي تشير بأصابع الاتهام إلى التنفيذين والمتنفذين والمتربحين من الوظيفة العامة، كنا يومها نناشد الرئاسة أن تضرب بيدٍ من حديد على الفسدة المفسدين حيثما كان الفساد الذي عمّ القرى والحضر فتمدد واستشرى كالاخطبوط وقد تمدد في مفاصل الدولة ولم يترك في الجسم مكاناً إلا وضربه، وبالتالي أصبح قاعدة وليس استثناءً!! عندما يتصرف سوداني ويشارك ويتضامن مع أجنبي أو عربي في عمليات التخصيص فيفترض أنه يقدم خدمةً لوطنه لذلك أتي بشريك يساهم في إنقاذ إحدى مؤسسات الدولة المملوكة للشعب، أي أنه يقوم بعملٍ وطني وبوازعٍ من ضمير وطني مثل إنقاذ سودانير من وهدتها، ولكن إذا «بالفزع بقى وجع.. وعدوك تلده من ظهرك» وإذا به يبيع خط هيثرو ويصل بسودانير إلى أسفل سافلين!! حين كان يفترض فيه أن يعمل بحس المواطن الغيور على بلده وبدافعٍ من ضميره الوطني بأن يمثل درعاً واقياً في الحفاظ على «الناقل الوطني» الذي يسبح في فضاءات العالم يحمل اسم وعلم السودان خفاقًا، الطائر الذي يعتبر رمز سيادة وعزة بلاده، وباعتبار آخر أنها أيضاً من المقدرات المملوكة للأمة. اليوم بدأنا نسمع في مجتمعنا عن جرائم فظيعة ومقززة للنفس، لا تتم إلا إن كان وراؤها متنفذون يعشعشون كالخفافيش في مفاصل الدولة المختلفة، فبدأنا نسمع عن تجارة الأعضاء، وبيع غذاء منتهي الصلاحية، وتجارة الأدوية المنقذة للحياة في السوق السوداء، بدأنا نسمع عن تحول الطب كمهنة إنسانية إلى تجارة، بدأنا نسمع عن تنصير المسلمين، لقد جاءتنا أنواع من الجرائم متخفية تحت مظلة بعض المنظمات التي في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!! هذا النوع من الجرائم يجب أن يكون فيه القصاص بالرصاص، وحتى حينما يعاقب «المربوط» يخاف «السايب»، خاصة أنهم تكاثروا حتى أصبح من الصعب حصر أعدادهم!! نرجو أن نرى الجناة اللصوص الذين باعوا خط هيثرو يقادون زمرًا للعدالة لتقتص منهم لصالح هذا الشعب الصابر المكلوم المقهور وكفانا من «فقه السترة»!!.. وحسبي الله على الفاسدين السَرَقَة ومن وآلاهم وتستر عليهم وإلى جهنم وبئس المصير.