قرار منع استخدام فحص الحمض النووي الذي أصدره مجمع الفقه الإسلامي، وخلف آثاراً نفسية واجتماعية للمتضررين منه، لم يضعها المجمع فى حسبانه. ففحص الحمض النووي أو «البصمة الوراثية» التي تستخدم في قضايا إثبات النسب والجرائم الجنائية، قد أخذ حيزاً كبيراً في المؤتمر العربي الأول لعلوم الأدلة الجنائية والطب الشرعي. حيث قدم قاضي المحكمة العليا وعضو مجمع الفقة الإسلامي بالسودان والخبير بمجمع الفقة الإسلامي العالمي د. إبراهيم أحمد عثمان ورقة بعنوان «دور البصمة الوراثية في قضايا إثبات النسب والجرائم الجنائية» قدمها خلال المؤتمر في نوفمبر2007م. وأبرز ما تضمنته الورقة أنه من الناحية العلمية تعتبر البصمة الوراثية دليل نفي أو إثبات تكاد تكون قاطعة وليست هناك أية سلبيات أو قيود، بشرط أن يتم التحليل بطريقة سليمة لاستخدام البصمة الوراثية أمام المحاكم للفصل في العديد من القضايا المدنية أو الجنائية، نسبة لأهميتها التي تفوق الأدلة التقليدية كبصمات الأصابع وفصائل الدم. فاحتمال التشابه بين البشر في البصمة الوراثية قد يصل إلى واحد كل عدة بلايين، بعكس الفصائل الدموية التي تعتبر دليل نفي لاحتمال التشابه بين البشر في هذه الفصائل. وأضاف د. إبراهيم: أما عن التكييف الشرعي فإن نتائج تحليل الحمض النووي دليل من الأدلة الشرعية، وبالتالي فهي حجة تُبنى عليها الأحكام، بدليل أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» هو أول من تحدث عن خصائص البصمة الوراثية والحمض النووي في حديث الفرازي. بينما تحدث د. إبراهيم فى حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب قائلاً: اختلفت آراء الفقهاء المعاصرين، فيرى بعضهم أن البصمة الوراثية قرينة قطعية بنسبة «100%»، ويرى الآخرون أنها قرينة ظنية. وأضاف د. إبراهيم أن نتائج الفحص ليست قرينة وإنما بينة مباشرة، وتساءل: هل الحمض النووي واقعة مجهولة مستنبطة من واقعة معلومة، ورجع وقال بالتأكيد لا، فالحمض النووي هو فحص فعلي لسوائل وأنسجة جسم الإنسان مباشرة، فهو دليل مباشر لا قرينة، وبما أن فحص الحمض النووي بينة وليس قرينة، فلماذا أصدر مجمع الفقه الإسلامي قراراً قضى بمنع فحص الحمض النووي لمعرفة إثبات النسب؟ فالمواطن «ع- أ- أ» اتخذ قرار استخدام فحص الحمض النووي للتحقق من نسب ابنه له، وعندما قام بمخاطبة النيابة بمنطقة الدويم بولاية النيل الأبيض دائرة المختبرات الجنائية التحليلية للفحص على طليقته وابنه للتأكد من نسب الطفل المنسوب، وقد تم ذلك بأخذ العينات من الدم لفحص «الحمض النووي»، أضاف محدثي «ع» بعد «5» أيام من الفحص، لجأ للنيابة بالدويم لأخذ نتيجة الفحص لكنه تفاجأ بعدم إعطائه نتيجة الفحص بحجة أن مجمع الفقه الإسلامي قام بإرسال منشور بالرقم «12» بتاريخ 5/ 6 /2005م يقر فيه بعدم إجراء هذا الفحص حفاظاً على الأسرة، إضافة لذلك لا يجوز استخدام البصمة الوراثية فيما يختص بالأنساب الثابتة شرعاً بقصد التأكد من صحتها وذلك حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم ومنعاً من التخبط، إلا أن «ع» قام بتقديم طلب التماس لمجمع الفقه الإسلامي بتاريخ 9/ 9 / 2012م راجياً منه مخاطبة المعامل الجنائية الخرطوم بإرسال نتيجة فحص الحمض النووي إلى نيابة الدويم، علماً أنه أرسل خطاباً لنيابة منطقة الدويم بولاية النيل الأبيض بعد الاتفاق مع طليقته بالفحص على الجنين الذي اختلفا في صحة شرعيته، إلا أن مجمع الفقه الإسلامي قام بعرض التماسه على دائرة فقه الأسرة، وإلى تاريخ كتابة هذه السطور لم يقم بحل تلك القضية، مع العلم أنه لا شيء يمنع إجراء هذا الفحص، إلا أن مجمع الفقه الإسلامي قد أصدر هذا القرار الذي حرم الكثيرين من معرفة حقيقة إثبات أبنائهم، مما أثار بلبلة خاصة وسط الذين يجدون فى فحص الحمض النووي راحة لضمائرهم وللشكوك التي تدور في رؤوسهم تجاه أبنائهم. بالطبع لم ينظر الواضعون لقرار إلغاء استخدام هذا الفحص للأضرار الاجتماعية والنفسية التي خلفها ذلك. والسؤال الذي نحتاج لإجابة عنه من مجمع الفقه الإسلامي، ما الفائدة المرجوة من وضع هذا القرار؟ وهل هناك ما يمنع استخدام ذلك الفحص لمعرفة الحقيقة؟