والحديث عن الفاقد الثقافي كأدنى درجات التثقيف المرحلي والذي يطول ابناء المغتربين من ابجديات الحياة الجغرافية لا يفتر او تنوء الاقلام عما تحمله وتكتبه دومًا عنه، فحالة التشبع المعرفي التي تجتهد المدارس بالخارج بدول المهجر في محاولة ترسيخ الثقافة الجغرافية للبلدان تصب في الدولة المضيفة، وان كانت هناك بعض المواد التربوية التي تعالج هذا النقص الا انها لا تتعمق في ترتيب الافكار والمعلومات الاساسية بل تتطرق لها بصورة سريعة وهذا ما يجعل ابناءنا بدول الاغتراب بعيدين كل البعد عن معالم الجغرافية الطبيعية وتضاريس بلدانهم والمدن التي يضمها السودان هذا إن لم تكن طالت أسماء هذه المدن ناهيك من مواقعها الجغرافية.. ما دعاني لهذا الحديث حالة الذهول التي اصابت احدى الدارسات بالجامعات والتي اتت من احدى دول الاغتراب، وعلى الرغم من انها مكثت زمنًا ليس بالقصير في السودان بغرض الدراسة الا انني اكتشفت انها لا تفرق ما بين اسم مدينة من جبل او طريق قديم عبرته الآلاف من الأقدام الراجلة والراكبة، والجمتها المفاجأة بأن تهزمها الطبيعة الجغرافية للسودان وهي التي تفوقت على كثير من الدارسين والدارسات في شتى ضروب العلم الاخرى!! عندها فقط عرفت معنى ان تكون في بلدك وتعرف كل تفاصيلها على الرغم من اراضيها الشاسعة والتي اجزم ان بشرًا لم يستطع ان يحد حدودها طولاً وعرضًا ليعرف كنهها، ولكن اضعف الايمان ان تكون لديك ذخيرة وافرة من المعلومات حول القيمة المعرفية لبلدك والتي تغذيها المدارس والكيانات الأسرية والبرامج التثقيفية والتعليمية، ومن هنا يبدأ التساؤل حول وجودية المدارس السودانية لأبناء المغتربين بدول المهجر المختلفة، والتي تصب في تعليم المناهج التربوية السودانية التي تضعها وزارة التربية والتعليم السودانية ولا ضير أن تتم الاستعانة بمناهج الدولة المضيفة ومعلميها الاجلاء في ترسيخ هذه المعلومات بعد ان تشمل كل معالم الجغرافيا لكل الدول المجاورة والعالم اجمع وفقًا لمناهج ثابتة وقويمة لايجاد نشء مطلع وقوي وذا ثقافة عالية بكل ما يدور حوله.. دومًا تفاصيل الأشياء تصبح اكثر صعوبة وعمقًا عندما تصطدم بالواقع، فكم من نماذج تشابه هذه الفتاة من ابنائنا المغتربين العائدين من اجل تلقي العلم والدراسة فيفاجأون بواقع غير الذي وضعوا له تصورًا بأذهانهم فتصدمهم المساحات الشاسعة على ارض الواقع وتتداخل عندها كيفية تلقي المعلومات الصحيحة حول أهمية التاريخ والجغرافيا لبلدهم الأم والتي تقف في حيرة من امرها لهذا الاختلال الذي اصاب عقول ابنائها الشابة والتي تنتظر منهم العودة للإعمار والتطوير الحديث.. الامر اكثر تجذرًا وعمقًا من كل هذا؛ التساؤل الذي يفرض نفسه بقوة: هل لهؤلاء الفتية والفتيات طموح عال بأن يأتوا يومًا ما لوطنهم ليفيدوه بسواعدهم وعلمهم الزاخر لإحداث التنمية المرجوة وهم يفتقدون لأدنى مقومات المعرفة الجغرافية والتضاريس المكانية لوطنهم؟