٭.. والساعات العشرون في ليل الخرطوم شرق.. عصر وليل الأربعاء كانت شيئاً فريداً. ٭ وعربات لامعة تزدحم ومليارات تصب.. ولقاءات تقول أغرب ما يقال.. وأثرياء المهربين هناك يقول بعضهم للمسؤولين: لحومنا لن تشبع معدة بنك السودان.. لكن الأموال تشبع الصناديق الحديدية هناك.. وندفع بعض ما علينا. ٭ والناس يعتقدون أن غليان الأسعار وغليان الاقتصاد طوال الشهر الماضي كان ما يشعله هو اللحوم.. ٭ وبينما اللحوم والعراك هناك = لم يكن أكثر من الحمى والسعال.. أعراض لمرض تحت الأرض = ولمعركة. ٭ والمعركة ما يطلقها الشهر الأسبق كان كلمات صغيرة.. يطلقها مسؤول. ٭ والمسؤول يومئذٍ = بعد أن وصلت جهود استعادة الأموال إلى حائط صخري = والدائنون يرفضون إعادة القروض .. المسؤول يصدر أمراً صغيراً لمدير بنك السودان. ٭ نشر أسماء المصدرين الذين رفضوا إعادة الأموال. ٭ ثم إيقاف التعامل معهم ومع شيكاتهم. ٭ ثم شطبهم من قوائم المصدرين .. وفتح الباب لمصدرين جدد. ٭ إيقاف المباحثات مع المصدرين هؤلاء وتقديمهم للمحاكمة.. وعدم إطلاق أي منهم بالضمان. ٭ وعربات لامعة كثيرة تصاب بالجنون وتحاصر بيوت المسؤولين. ٭ و«كراتين الأموال تنزل من العربات وشيكات على مصارف عالمية و.. (2) ٭ لكن الملفات = في مكان آخر = يجري إعدادها تمهيداً للمحاكمات. ٭ والملف رقم «03» يقص أغرب حكاية. ٭ وحكاية السيد «أ» في الملف «03» تقص أن السيد «أ» وفي الحادي عشر من نوفمبر 3002م يدخل مكتب السيد مدير مصرف معين. ٭ .. ومن مكتب المدير.. وليس أي مكان آخر.. وبينما هو متكئ يرشف القهوة كان موظفو البنك منهمكين في إعداد القرض المطلوب للرجل. ٭ «مئتان وثلاثة وثلاثون مليوناً وثلاثمائة وثمانية وثمانين ألف دينار» .. كان التعامل يومئذٍ بالدينار. ٭ والمدير = في الأنس = يشير عرضاً إلى أن السيد «أ» كان قد استدان تسعمائة وواحد وتسعين ألف دولار الشهر الأسبق وأنه لم يرد منها شيئاً. ٭ والملاحظة العابرة تمضي. ٭ بعدها في نوفمبر 6002م كان السيد «أ» يدخل المصرف ذاته.. ومن خلف فنجان القهوة ونوع خاص من السعال يتميز به الأغنياء كان الرجل يحصل على قرض جديد مقداره أربعمائة وخمسة وعشرون مليوناً ومائة وثلاثة وثمانون ألف وتسعمائة وثمانية وسبعون جنيهاً. ٭ والإجراءات تستكمل و.. ٭ و.. والرجل «ينسى» تماماً أن يسدد شيئاً من القروض الماضية. ٭ والمدير ينسى تماماً أن يطالبه بشيء. ٭ لكن جهة لا تنسى كانت تحسب كل أصابعها وتنتظر. ٭ تحسب المال.. وتحسب «أجواء» التعامل .. وتحسب أجواء التحرك المناسبة. ٭ والحسابات هذه تنتهي بالرجل وهو الأسبوع الماضي يتكئ خلف القضبان. ٭ والرجل مع آخرين كثيرين يعرض تسديد بعض الديون.. لكن نتفاهم! (3) ٭ الأجواء التي كانت الأصابع الحكومية تحسبها منذ 2002م كانت تذهب إلى أن ٭ التعامل اللين مع المصدرين يجعل السوق يطمئن.. ويجعل التعامل السياسي مع المعارضة أكثر مرونة. ٭ والمصدرون هم في نهاية الأمر الخباز الذي يأكل نصف الرغيف.. وحبالهم في قبضة الدولة.. تجذبهم متى شاءت. ٭ واستعادة المال = ولو بطريقة الشريف الهندي ممكنة. ٭ «الشريف الهندي وزير المالية أيام الأحزاب كان يجعل قروض بعض الدول للسودان = القروض المستلمة بالفعل = ودائع في مصارف عالمية .. والمصارف تسجل أرباحاً على امتداد الشهور حتى إذا جاء بالقروض إلى الدولة ذهب بالأرباح إلى مشاريع أخرى.. خارج نطاق القرض و...» ٭ لكن الدولة تجد أن بعضاً من المصدرين هؤلاء يخادن المعارضة من هناك.. ٭ والمعارضة من هناك تجعل بعضاً من المصدرين وبعضاً من إدارات المصارف جيشها الحقيقي للتدمير والسيد «أ» ينظر ويجد آخرين يلتقمون مئات المليارات دون أن يصابوا بعسر الهضم.. ويطمئن. ٭ .. والدولة أيام «جوكية» المصارف.. وأيام سوق المواسير .. وأيام مواسير لم تعلن.. الدولة كانت تكتفي بالسعال تحت الليل حتى يفهم اللص أن أهل البيت يشعرون به. ٭ لكن التعامل اللين مع الجوكية ومع إدارات بعض المصارف كان يجعل كثيرين يفهمون أن الأمر لا خطورة فيه. ٭ .. والأسبوع الماضي كان كثير من هؤلاء يفاجأون بأن ما أشرنا إليه هنا = عن 32 مصرفاً تتجه إلى المحاكم .. كان شيئاً حقيقياً. ٭ وعمائم وعصي كثيرة تعبر أبواب الحراسات إلى الداخل. ٭ والعربات تصاب بالجنون ليل الأربعاء والخميس الماضيين. (4) ٭ لكن عربة أخرى لم ينتبه إليها أحد. ٭ عربة تبحث عن إنقاذ لمحصول قطن العام القادم.. المحصول بكامله. ٭ والهمس = الذي لا ندري كم هم مصيب أم مزيف = يقول إن مشروع القطن الذي يعد لزراعة مليون وثمانمائة ألف فدان يجد تحت قدميه ما يجعله يعجز عن نصف هذه الأرقام. ٭ والحكاية نحكيها الأيام القادمة. ٭ .. لكن حكاية وفد المعارضة إلى جنيف «حقوق الإنسان» هي ما يستحق الرواية هنا. ٭ وفد المعارضة إلى جنيف = الذي يشهد اجتماع جمعية حقوق الإنسان = يحصل = بصورة ما!! على فرصة لا سابقة لها لمخاطبة الجمعية العمومية. ٭ والمتحدث لا يبقي للخرطوم شيئاً لا يرميها به.. يتهمها بدهس وتحطيم ودفن وإبادة حقوق الإنسان. ٭ وهو يجفف عرقه المتحدث يتلقى أسئلة أحد الحاضرين. قال: سيدي.. من أين أنت قادم؟ قال: من الخرطوم. قال: وإلى أين تعود؟ قال: إلى الخرطوم. قال: حكومة إذن تسمح لك بأن تأتي إلى هنا لتقول عنها مثل هذا.. ثم أنت تعود إلى العاصمة وإلى بيتك دون أن يسألك أحد .. هذه حكومة تمارس بالفعل نوعاً غريباً من انتهاك حقوق الإنسان.. غريب فعلاً .. نحن نشعر بالحزن لكم. ٭.. والضحكات مازالت ترن في أذان وفد المعارضة. (5) ٭ ورحم الله زيدان.. والناس بكوه.. وبكوه. ٭ لكن ما نقصه غداً هو قصة رجل من اليمن يموت أول الأسبوع الماضي كان هو من ينقذ السودان من كارثة تجعل النميري وجوزيف لاقو يعطيانه الميداليات. ٭.. والميدالية الأعظم كانت هي .. أن الرجل ينقذ القوات المسلحة من المذبحة.. بينما هو مطرود منها.. ٭ والرجل .. الذي يموت في المسالمة في يوم وفاة زيدان لم يسمع به إلا أهل الحي.. والقصة نحكيها. ٭ وآهٍ أيها السودان. بريد: ٭ أستاذ انخفاض أسعار اللحوم في أيام ارتفاع الدولار يعني شيئاً. ٭ الدولة لم «تأمر» أهل اللحوم بتخفيض الأسعار.. ما فعلته الدولة هو أنها مع المواطنين وضعت أهل اللحوم بين الربح الحقيقي مع السعر الحقيقي وبين الربح المجنون والخروج من السوق. ٭ ارتفاع الدولار إذن له معنى آخر وسبب آخر.. ما هو؟