لا يختلف اثنان حول الأثر الإيجابي الاقتصادي الذي خلَّفته الاتفاقية التي وُقِّعت مؤخرًا بين دولة السودان وجنوب السودان وسط توقُّعات المراقبين الذين أكدوا استحالة الوصول إلى اتفاق بين الجانبين مستندين إلى وقائع أحداث انفصال الجنوب وما أعقبه من مواجهات بين الدولتين وصلت إلى حد اندلاع الحرب بينهما وإيقاف إنتاج النفط عقب إغلاق دولة جنوب السودان لخط الأنابيب في «20» يناير الماضي، وخسرت بذلك «650» مليون دولار كانت تدخل خزينتها العامة شهرياً، حيث تعتمد على النفط بنسبة «98%» وأدى إغلاق النفط للتضخم الحاد، وأزمات إنسانية وتدهور الأمن، وارتفاع أعداد الضحايا جراء ذلك. وفي المقابل فقد الشمال مصدرًا أساسيًا من مصادر العملة الصعبة حيث واجهت العملة الوطنية إبان الفترة الماضية انهيارًا لم تشهده طيلة السنوات المتعاقبة والذي كان نتاجًا طبيعيًا لانفصال الجنوب والذي أضاف تحديات جديدة على الدولة تمثلت في فقدان السودان «75%» من موارد البترول و«50%» من الإيرادات، إضافة إلى «60%» من العائدات من العملات الصعبة و«90%» من إجمالي الصادرات، وارتفع معدل التضخم في السودان إلى «46.5%»، في وقت اتجهت فيه الدولة إلى الاعتماد على المصادر الأخرى والتي هي ذات مساهمة ضئيلة الأمر الذي أسهم في تصاعد سعر الصرف وانهزام الجنيه السوداني بصورة واضحة مما ادى إلى تصاعد سعر الدولار في ظل عدم عودة صادرات النفط في الفترة الماضية بالرغم من أن الحكومة بذلت جهوداً كبيرة لمواجهة الأزمة تمثلت في البرنامج الثلاثي الذي يهدف للمحافظة على التوازن الاقتصادي لتحقيق برنامج الإصلاح المالي لمعالجة اقتصاد ظل متهالكًا ويعاني من شح الموارد و تمدد وسيطرة السوق الموازي لتحديد سعر الصرف للعملات الأجنبية لا سيما الدولار الذي سجل إبان الفترة الماضية ما يقدر بنحو 8 جنيهات في تطور ينذر بخطورة بالغة، حيث أصبحت هي السوق الفعلية الرئيسية للحصول على العملة الصعبة في البلاد بالرغم من محاصرتها من قِبل الجهات المختصة بحظر التجارة غير الرسمية في العملة بعد أن بلغ السيل الزبى ليطول أثر ارتفاع الدولار بصورة مباشرة في حركة وجذب الاستثمار بفقدان المصارف الرسمية السودانية القدرة على توفير دولارات أمريكية. بالرغم من السماح للمصارف التجارية بتداول الدولار دون التقيد بالسعر الرسمي والتي اعتبرت حظر التجارة غير الرسمية للعملة أسهم بصورة كبيرة في انخفاض أسعار الدولار. بعد يوم واحد من التفاوض تسربت المعلومات عن توقيع تنفيذ المصفوفة وبداية الإعلان عن معاودة إنتاج نفط الجنوب وتصديره عبر أراضي الشمال شهد سوق العملات الأجنبية تراجعًا متواصلاً وانهيارًا غير متوقع في سعر الصرف مقابل العملة الوطنية وإحجام كبير في تعاملات السوق الموازي مع تزايد المعروض وارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار بنسبة «8%» وشروع البنك المركزي في تحريك سعر الدولار الرسمي وتخفيضه في المعاملات الرسمية وللبنوك التجارية. الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي د. محمد الجاك يرى أن انخفاض الدولار يرتبط بتوقعات الاتفاق على تنفيذ مصفوفة الاتفاق بين الجنوب والشمال مشيرًا إلى أن المتعاملين في سوق النقد الأجنبي يعيشون حالة من التردد في عملية البيع والشراء وذلك لعدم وجود رغبة من جانب الطرف الآخر وبالتالي يحاولون تخفيض السعر، وأكد أن الانخفاض ناتج من عوامل نفسية أكثر من كونها اقتصادية مرتبطة بالعرض والطلب لجهة عدم تصدير كميات حتى اللحظة من بترول الجنوب عن طريق الأنابيب السودانية وبالتالي عدم توفر إيرادات لعملات أجنبية نتيجة لصادر البترول في إشارة إلى أن وضع العرض والمتوفر من الدولار هو ما كان عليه بالماضي وقال إن ذلك يحتاج إلى وقت وأوضح أن الهبوط في السعر مرتبط بتوقعات مرهونة بأحداث جديدة طارئة مضيفًا أن إعلان بداية ضخ البترول في فترة لا تتجاوز الأسبوعين يتنافى مع ما أشارت له الجهات الفنية وقدر بأنه يحتاج إلى شهرين في الشمال أما في الجنوب فيحتاج إلى وقت أطول، وتوقع في الفترة المقبلة أن يكون سعر الدولار متذبذبًا في حدود هامش ضيق جدًا لا يتعدى «5.6 6» جنيهات واعتبر اتجاه الجهات الرسمية لإعادة النظر في السعر الرسمي باعتبار الانخفاض غير صحيح.