جاء في الأخبار هذه الأيام أن الزعيم مانديلا (95) عاماً، قد توارت شمس وعيه. حيث يعاني من (الزهايمر) أي (الخَرَف). في عام 1942م تقدم مانديلا للعمل في مكتب محاماة بمدينة جوهانسبيرج (وتكن وسايدلسكي وإيدمان). وهناك مرّ مانديلا بتجربتين لا ينساهما. ففي اليوم الأول لعمله بمكتب المحاماة جاء كبير عمّال الطباعة، وأخبره بأنه قد خُصِّص له كوب خاص لشرب الشاي، وإن ذلك لا يعني أنهم (يمارسون تمييزاً في اللون)!، فعندما يأتي جرسون الشّاي ويدور ب (صينيَّته) عليه ألا يتناول أيَّ كوب كيفما اتفق، وإنما يجب عليه أن يأخذ الكوب الذي خُصِّص له. فامتنع نيلسون عندها عن شرب الشاي. أما التجربة الثانية فقد اعتادت موظفة طباعة بيضاء حديثة التعيين أن تطلب منه أن يساعدها في أداء عملها الذي لا تدري عنه شيئاً. وبينما كان مانديلا يُملِي عليها في يوم من الأيام ويشرح لها، دخل زبون أبيض إلي المكتب ووجده يساعدها، فظهر عليها الحرج واضحاً. ولكي تُعلِن للزّبون أن نيلسون ليس الموظف الذي يرأسها، تناولت ستة قروش من محفظتها وقالت: نيلسون... إذهب واحضر لي دهان تسريح. إنضم مانديلا عام 1944م إلي حركة المؤتمر الوطني الأفريقي. وتمّ اختياره عام 1952م رئيساً لفرع (الترانسفال). وفي نفس العام أصبح رئيساً للأمانة الماليَّة الوطنية. وفي عام 1953م أمرته الحكومة العنصرية بالإستقالة ثمَّ أصدرت حكمها عليه بالسجن تسعة أشهر مع وقف التنفيذ، بسبب مشاركته في تنظيم معارضة تناهض القوانين العنصرية. ثم اعتقلته مرة أخري عام 1956م لتحاكمه، ليقضي بموجب المحاكمة خمس سنوات في السجن، وأطلق سراحه في مارس 1961م. في بداية أبريل 1z961م إتجه مانديلا إلي العمل تحت الأرض، لتنظيم إضراب (مايو). ومنذ تلك اللحظة أصبح (نيلسون) مستغرقاً في النِّضال الوطني، إلي الدرجة التي لم يعد فيها إلي بيته وأطفاله الخمسة، وذلك حتي عام 1990م. في يناير 1962م طاف مانديلا بأفريقيا، وزار السودان في عهد الرئيس إبراهيم عبود. كما زار تنجانيقا وأثيوبيا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ومالي والسنغال وغينيا وسيراليون. ثمَّ اتجه إلي بريطانيا ليعرض قضية بلاده. حيث التقى بزعيم حزب العمّال (هيج جيتسكل) وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار (جو جريموند). وأنشأ المؤتمر الوطني الأفريقي ليبث قضيته عدة محطات إذاعية في (لواندا) ومدغشقر وتنزانيا وأثيوبيا ولوساكا، حيث كان يقيم في المنفي في زامبيا الزعيم (أوليفر تامبو) الذي خلف مانديلا في قيادة المؤتمر الوطني الأفريقي، وقد كان شريكه في المحاماة. قبيل عام من إدانة مانديلا في محاكمته الأولي في 16/ ديسمبر 1961م، برزت إلي السطح حركة (أمكنتو وي سيزوي) المسلّحة. وكان نيلسون مؤسِّساً وقائداً للحركة التي تمثل الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي. واختير يوم 16/ ديسمبر لبداية الثورة المسلحة، لأن النظام العنصري يعتبره إجازة رسمية بمناسبة الإنتصار العسكري الذي حققه البيض ضدّ السود، في (نهر الدّم) في (ناتال) عام 1838م، فهو اليوم الذي يرمز لسيادة البيض علي السّود. قُدِّم مانديلا إلي المحاكمة مرّة أخر في 9 أكتوبر 1963م، بتهمة التنظيم لقلب نظام الحكم بالقوَّة. وأُخرِج من السجن إلي قاعة المحكمة قويّ الروح غائر الوجنات محتفظاً بهدوئه وقوة شخصيته، وذلك ليستقبل الحكم عليه بالسجن مدي الحياة. حيث مكث (27) عاماً في السجن، حتي خرج في عام 1990م منتصراً. خلال حقبة النضال وسجن مانديلا، فقد المؤتمر الوطني الأفريقي عدداً من القيادات منهم (ستيفن بيكو) الذي قتله البوليس ضرباً، كما اغتيل لاحقاً الزعيم الواعد (كريس هاني). أما أمريكا التي كانت لها استثمارات بلغت (41) بليون دولار في جنوب أفريقيا، فقد لعبت CIA دوراً مهماً في القبض علي مانديلا، وذلك خلال رئاسة جون كنيدي. كما قامت أمريكا حينها بتصنيف مانديلا باعتباره إرهابياً. وبعد قرابة خمسين عاماً من ذلك التصنيف، وفقط مساء الخميس (26) يونيو 2008م، وبعد (18) عاماً من سقوط نظام الفصل العنصري، وبعد (81) عاماً من خروج مانديلا من السجن، وبعد أن بلغ مانديلا سنّ التسعين، بعد كلّ ذلك أسقط الكونجرس الأمريكي بالإجماع نعت (الإرهابي) عن مثال المناضلين وزعيم الحرية نيلسون مانديلا. لقد قاربت اليوم أن تمضي عشرون عاماً منذ أن وضعت أمريكا السودان في قائمة الإرهاب في أغسطس 1993م... هل سينتظر السودان خمسين عاماً، لكي ترفع أمريكا اسمه من قائمة الإرهاب؟.