يختلف الناس في قومياتهم وأعراقهم ولغاتهم وأديانهم في مختلف البلدان المتحضرة لكنهم مع ذلك يلتزمون بمقتضيات الشراكة الوطنية، فهناك دستور قائم يوضح الحقوق لكل أبناء الوطن على حد سواء، لذلك تجدهم يعيشون حياة الاستقرار، وينعمون بالتقدم، فإن للشراكة على المستوى الفردي أو المجتمعي مقتضيات ينبغي أن يراعيها جميع الأطراف فيما بينهم. ولا يجوز لأيٍّ منهم أن يجور فيها على حق الآخرين، سيان في هذا الأمر الشركاء في العمل والتجارة أو شركاء الوطن. فتقدُّم المجتمعات المتحضرة يعود بتوجهاتها للعمل الجمعي في العلم والاقتصاد وفي مختلف المجالات. من هنا ينبغي تشجيع قيام الشراكات بين أبناء المجتمع على مختلف الصعد الاجتماعية والاستثمارية، وذلك بنشر ثقافة العمل الجمعي والالتزام بضوابط للشراكة، وفي مقدمتها عدم الجور على حق الشريك، فقد ورد عن رسول الله القول «يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا». لإن الله سبحانه وتعالى يبارك الشراكة بين الناس، وفي الحديث «يد الله مع الجماعة». تكمن مشكلتنا نحن العرب والأفارقة كمسلمين في أن معظم أوطاننا ما زالت تعاني من الخلل في العلاقة بين الأطراف المشتركة في وطن واحد، هذا الخلل هو الذي عوق التنمية والتقدم في أوطاننا. إذ كثيرًا ما تجد في بعض البلدان هيمنة طرف بحكم أكثريته! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ إنه وبناء على التسليم بمنطق الأكثرية والأقلية، فهل يجيز تمثيل طرف من الأطراف للأكثرية أن يعتدي على حقوق الأقلية؟! وعلى غرار ذلك قد توجد في بعض البلاد أحيانًا أقلية تقبض بتلابيب الحكم على حساب الأكثرية، فكلاهما وجهان لعملة واحدة لا ترغب في تحقيق البقاء والمستقبل لأنه يتمثل في الشراكة والمبادرة بها إذا كان الاستشراف والوعي حاضرًا لهماً. إن غياب الشراكة الحقيقية بين أطياف أي وطن نذير ببروز الأخطار منها: أولاً: الاضطراب وفقدان الأمن والاستقرار: إن الأفراد في مختلف المجتمعات ليسوا سواء في التفكير والوعي والحكمة، فهناك من يقاوم هذا الحيف بالحكمة، وهناك من لا يمتلك مثل هذه الحكمة، وقد يسيطر عليه التطرف فيندفع ويتحمس لرفع الظلم عن نفسه ومجتمعه، ربما على نحو غير محسوب. والمحصلة أن تعيش المجتمعات في اضطراب دائم، فلذلك تبرز المشكلات والاضطرابات في المجتمعات غالبًا بسبب وجود هذه المشاعر والمظاهر. والوفاء بمقتضيات الشراكة الوطنية هو الذي يجنِّب الأوطان الاضطرابات وفقدان الأمن والاستقرار. ثانياً: إتاحة الفرصة للعدو الخارجي والمستبدّ الداخلي لبعض الدول؛ فغياب الانسجام بين فئات أي وطن من الأوطان يشكِّل فرصة سانحة لتدخُّل الأعداء في شؤونه الداخلية. فالأعداء الخارجيون يلعبون لعبتهم، عبر إيهام كل طرف بأنهم يتعاطفون معه، ويساعدونه ضد الطرف الآخر، وهم في واقع الأمر لا يهمهم أيٌّ من هذه الفئات بقدر ما تهمهم مصالحهم وتحقيق أهدافه؛ فوحده احترام مقتضيات الشراكة الوطنية والعيش الواحد هو ما يضمن لجميع الأطراف مصالحهم وأمنهم على نحو سليم واضح، فلا يحتاجون للأجنبي ولا يتيحون الفرصة له للتدخل بينهم. ثالثاً: نمو المشروعات الخاصة فغياب البيئة الملائمة لحماية التعايش والوحدة؛ يفتح الباب واسعًا أمام المشروعات السياسية الخاصة لكل طيف من الأطياف. فانشغال كل جماعة بالتفكير بوضعها الخاص سيغيِّب حتمًا الهم الوطني العام. ويبقى السؤال حينها؛ من سيفكر في الشأن العام؟ ومن سيحمل الهم الوطني؟ فهناك مصالح مشتركة للوطن هي موضع حاجة جميع المواطنين بغض النظر عن توجهاتهم، فإذا انشغلت كل جماعة أو تيار بمشروعه وهمِّه الخاص، فسيتبع ذلك حتمًا غياب الهم الوطني والمصلحة الوطنية العامة، وفي ذلك ضرر كبير على مستقبل الأوطان والشعوب. من هنا ينبغي أن تُقدم مجتمعاتنا لاسيما مجتمعنا السوداني بقيادته ونخبه وأطيافه على تشجيع وتحفيز العمل الجمعي في العلم والاقتصاد ولمختلف المجالات فهذا هو الذي يدفع نحو التقدُّم والتطلُّع لمستقبل واعد ومتين. فنحن متفائلون بنمو الوعي الوطني الذي سيشق طريقه إلى أبناء البلد السودانيين جميعاً دستوراً وتوافقاً وسلماً أهلياً ووعياً وطنياً بأهمية حماية التعايش ووحدة الوطن وإدارة تنوُّعه باحترام جميع مكوِّناته وتحفيزهم على العطاء لهذا الوطن ولأبنائه الشرفاء .