زارها: محمد علي التوم من الله كانت ضمن القافلة التراثية الشعبية الدارفورية التي زارت العاصمة مؤخراً، ونزلت بمدينة الصحفيين الحارة «100» محلية كرري، الحكامة الشاعرة الحماسية دهب المدينة أحمد آدم حامد امرأة تتسع نشاطاً وحيوية بالرغم من أن عمرها يفوق السبعين. جلست إليها وتلمست من خلالها قوة شخصية المرأة الدارفورية.. وطريقة حبها لفنها وعملها وطريقتها الحماسية المسرحية الرائعة المؤثرة.. فتلهب الحماس وتثير زغاريد النساء.. وتحرك الحضور شيباً وشباباً منهم من يهز ومنهم من يبشر ومن يرقص الصقرية أو يعبر بأساليبه القبلية... وأخر من يضرب الأرض ويقفز للفضاء فتقع منه العمة ويفقد الطاقية.. وهذه وتلك جميعها من طرائق تعابيرنا السودانية حينما نحس النشوة والحماس والفرح والطرب. ثم نرفع التهليل والتكبير لعنان السماء. هذه مدرسة دهب المدينة الحكامة ورفيقاتها الحكامات اللائي حضرن سوياً ضمن تلك القافلة عائشة عبد الله بشارة وفاطمة عمر قادم ومريم الفاشر ورئيستهم نور رئيس الفرقة الشعبية.. والمرأة السودانية مشهود لها في ميادين الحرب و«الدواس» وفي منابر العزة والشرف والكرامة وفي نفير التكاتف والتكافل والكرم.. إنها دائماً خلف كل تلك الانتصارات والإنجازات والتاريخ يشهد لمهيرة بت عبود وبنونة بت المك وشغبه المرغومابية (من قبيلة المرغوماب الكواهلة) وبت مسيمس التي ظهرت إبان التركية ورقية شقيقة ود حبوبة.. كلهن كن شاعرات وفارسات، والأسماء لها دلالات تعبر عن تقدير الإنسان السوداني لمكانة المرأة، فنجد أن أهلنا في عموم السودان وفي غربه خاصة ينتقون أجمل الأسماء للبنت حين ولادتها.. وإن صار في اسمها (التصغير) فهو للمحبة والتقدير مثل: دهباية وحواية ومثل شقيفة وأم مسار.. الخ.. وفي وسط السودان تجد ست الكل وست النساء وستنا وملكة وأميرة.. وغيرها. وسألت الحكامة دهب المدينة: هل هو اسم أم لقب.. قالت: سموني دهب المدينة لأني من صغيرة أنا سمحة. كانت هذه البداية المرحة والحوار الشيق الذي أجريته معها.. لكن من قبل ذلك أنشدتني أبياتًا ملأت فضاء الغرفة حماساً وزغاريد وهي بطريقتها تختلف عن كتابتها قالت: الله أكبر.. الدنيا دار الممر ما دار المقر الغربية والشرقية شمالية وجنوبية كلنا أهل هوي يا العدو كفاك انجم من شحدت الدول البيضة ما بتزاحم الحجر والنصر ما بتلقاهو من ضهر عمر إلا عيسى المسيح يجي يظهر تمعنت في تهديدها وتحذيرها للعدو فتذكرت أبيات مهيرة التي تقول: يا الباشا الغشيم قول لي جدادك كر وتمعنتُ في بيت الحكمة التي استشهدت بها «البيضة ما بتزاحم الحجر».. فذكرتني أبيات للشاعر أحمد ود سعد إبان فترة المهدية بمدح قبيلة دغيم: عاجبني دغيم الخبر وما راحوا وصلوا لي جنان الخلد وارتاحوا كل واحد مسك بي ايدو مفتاحو لي اهل المحبة نبهو وصاحوا حتى يأتي بيت يقول: والعود ما بجيب النار بلا يفركو كل ذلك إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن المغنى والمشرب واحد، فوجدان الأمة متحد حتى عبر الحقب التاريخية. وسألت دهب المدينة عن بدايات الحكامة «دهب المدينة» فقالت: أنا من بيت مجاهدين.. أخت لسبعة رجال.. زوجي حارب في الجنوب وأُصيب في رجله وهو الآن «معوق».. هو اليوم بالمعاش، وقاسم ابني أيضاً كان رقيبًا بالقوات المسلحة وأضافت دهب المدينة: «حماس الجيش وأنا في الفاشر زودني بالموهبة وكنت أراهم وهم ماشين يجاهدوا للوطن و(الوكت داك) لا بسين (ريش النعام) علامة. وقالت: الجيش والشرطة والدفاع الشعبي كل قوة تدافع للوطن أنا غنيت لها وقلت فيها شعر.. وتواصل: «أنا حضرت زمن عبود وسوار الدهب لكن بديت السفر زمن البشير. حضرت للخرطوم في أرض المعسكرات بسوبا وشاركت.. وسافرت برضو لعطبرة وكسلا والدامر وبورتسودان وأروما وشندي. أنا شاركت أمام الزبير.. وكان وعدني بالحج لكنه استشهد رحمه الله.. الحجة عملها لي عمر البشير وبالفعل أمر بأن أصرف تكاليف الحج من بنك أم درمان الوطني. في مسرح نيالا ألقيت شعرًا لعمر البشير وقلت: البشير طهر الأولاد وزوج الأرامل. ثم أنشدت دهب المدينة للسلام: السلام مرحب بيكم يا أهلنا الكرام بي فرحة السلام حكومتنا القوية ضمنت الأمان والحكمة الطيبة طفت النيران المشير عمر البشير بطل السودان ثم خاطبت المسؤولين بكلمات بسيطة.. ولعل مثل تلك الكلمات البسيطة على أنغام النقارة أو نقير (الأمبايا) وزغاريد النساء وحماس الرجال تتجلى معانيها أكثر عمقاً.. وهي أكثر مضاءً في مخاطبة الوجدان الشعبي البسيط.. فتقول بحماس بالغ للمسؤولين: السادة المسؤولين نتحمل ونتكاتف للتعليم والتعليم شأنو عظيم الدكاترة والمهندسين والقضاة والمحامين والدبابين والطيارين وجميع المواطنين كلنا للتعليم التعليم التعليم وأخيراً وليس آخراً هذه هي دهب المدينة.. امتداد لا ينقطع لمهيرة وحواء الطقطاقة وبنونة بت المك وغيرهن.. فالكلمة والنغم والحماسة والنفير والتضامن والتكافل لها وقع أشد من النبال والقنابل.. يقول الشيخ ود سعد: «ضربو في الكفار كأنها قافية». وللحكامات ميادين أخرى في رتق النسيج الاجتماعي والاحتفالات والأفراح والمناسبات. ولهن مكانة مرموقة وأُذن صاغية في المجتمع الدارفوري خاصة وفي نشر ثقافة السلام ونبذ الفرقة والشتات.