رغم أن الحكومة ودولة جنوب السودان وقعتا اتفاقية فتح الحدود بين الدولتين وفق ترتيبات أمنية واقتصادية محددة بغية تدفق التبادل التجاري بين البلدين، لم يوقف ذلك الخروقات المتكررة التي ظل يرتكبها المهربون من حين لآخر. وبالأمس قام عدد من التجار بتهريب كمية من السلع الإستراتيجية المتمثلة في الوقود والسلع الغذائية، في الوقت الذي أصبح فيه التهريب مهدداً حقيقياً للدولة واقتصادها المواجه بأزمات عديدة، مما حدا رئاسة الجمهورية في وقت من الأوقات اعتبار كل مهرب للبضائع خائناً للدولة وأدبياتها، وتم فرض عقوبة رادعة بعقوبات مغلظة تطال المهربين غير الملتزمين بالقرار، وقد أوقعت بالفعل عقوبات رادعة بحق المهربين، وتمت محاكمتهم في محاكم مختصة شكلها رئيس القضاء بولاية النيل الأبيض، ووصلت الأحكام ضد المتهمين بين السجن عشرة أعوام والسجن المؤبد ومصادرة البضائع لصالح اللجنة العليا للاستنفار بكوستي ومصادرة السيارات التي كانت محملة بالبضائع لصالح حكومة السودان، وتمت محاكمة المتهمين بتهم التهريب والجرائم الموجهة ضد الدولة، بجانب المخالفة للقانون الجنائي وقانون مكافحة التهريب وقانون الجمارك لسنة 2008م، وجاءت الخطوة في إطار محاصرة ظاهرة تهريب البضائع إلى الجنوب، وبالأمس القريب شهدت مقاطعة الرنك بدولة الجنوب تدفقاً هائلاً للسلع الغذائية والمواد البترولية والطبية وغيرها عبر التهريب. وقال شاهد عيان من الشماليين الموجودين بالرنك إن البضائع المهربة تتدفق على المقاطعة طيلة الأيام الماضية، كاشفاً عن تهريب البنزين والجاوزلين عبر سيارات صغيرة تقوم بالتعبئة العادية وتقطع الحدود للبيع في رحلة تستمر من «4» إلى «5» مرات يومياً، مشيراً إلى تهريب كميات كبيرة من الصمغ العربي «فلت وبودرة» طيلة اليومين السابقين. وبحسب رأي مختصين فإن التهريب يمثل أخطر أنواع الجرائم الاقتصادية التي تهدر أهم موارد الدولة وإيراداتها، فضلاً عن الضرر السلعي الذي ينصب بصفة أساسية على السلع الاستهلاكية المحلية، وباستثناء رصد تلك الأضرار الاقتصادية والمالية التي لاحقت بتهريب المشتقات النفطية والسلع الأساسية، نجد أن هذه الظاهرة قد تعيق من حل الإشكالات العالقة بين البلدين. والمراقب للأسواق المحلية يجدها تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار، فالوقود الذي يهرب اليوم للجنوب يعتقد بعض المراقبين أن حجة الحكومة على رفع دعمها للمحروقات كان وسيلة لتضييق الخناق على دولة جنوب السودان، لأن الخطوة ربما أدت إلى مضاعفة أسعار جالون الوقود بالجنوب بحسب مزاعم وزير المالية آنذاك. وفي ذات الاتجاه قال الخبير الاقتصادي الأستاذ الجامعي بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب إن سياسة الدولة «حيَّرت» المهتمين بالاقتصاد السوداني، مبيناً أنه مع إغلاق الحدود كانت هنالك اتفاقيات على فتح الحدود والتبادل التجاري بين الشمال والجنوب، لافتاً إلى أن التجار الشماليين لديهم توسع في المواعين التجارية مع دولة الجنوب خاصة نظام التبادل في العملات الحرة في الدولار والإسترليني واليورو عند بيع المحاصيل الشمالية، مطالباً في ذات الوقت بتقنين الاتفاقيات الاقتصادية مع السياسية. فيما عزا الخبير الاقتصادي إبراهيم قنديل تلك الظاهرة لانعدام الحس الوطني لهؤلاء المهربين، مطالباً بمعاقبتهم. ودعا السلطات المختصة بالتصدي لتلك الظواهر بوضع أسس وضوابط تجارية تحد من التهريب، وأضاف إذا أرادت دولة الجنوب التبادل التجاري يجب أن يكون وفق الطريق الصحيح لضمان مصلحة البلدين. وبحسب مختصين وخبراء اقتصاديين، فإن ظاهرة التهريب واحدة من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي عانت منها أغلبية الدول المجاورة في «تهريب السلع والبضائع تهريب العملات والمعادن الثمينة ..» وأكد المختصون في تعليقات لهم على الظاهرة أن معالجتها يجب أن تكون أولوية للحكومات لما لها من آثار وانعكاسات سلبية على الاقتصاد والأمن والحياة الاجتماعية. وعليه، فالتهريب هو نزيف آخر للاقتصاد الوطني، إذ أن تهريب المواد المدعومة من الدولة يعني تبديد أموال عامة وإثراء غير مشروع على حساب الدولة والشعب، هذه سمات معروفة ومعلومة في أثر التهريب على الاقتصاد.