ولاية جنوب دارفور قبل تجزئتها لقيام ولاية شرق دارفور كانت ضمن الولايات السودانية المستظلة بظل النظام الديمقراطي، فكان واليها الدكتور عبد الحميد موسى كاشا منتخباً، لكن قيام ولاية شرق دارفور في جزء عظيم منها وقرار تحويل الوالي المنتخب إلى الولاية الجديدة أخرجها من النظام الديمقراطي إلى حين. وإذا كان المفروض انتخاب والٍ جديد لها، فإن الظروف الأمنية هناك خاصة وأنها تقع على حدود عام (1956م) أملت على الحكومة المركزية في الخرطوم أن تُعيّن أحد ضباط الجيش المتقاعدين من أبناء الولاية نفسها والياً عليها بصفة عسكرية لحماية أمنها واستقرارها من نشاط الحركات المتمردة المتمركزة كلها هناك. فقد أصبحت حدود عام (1956م) مغنطيسًا لحركات دارفور المتمردة بعد انفصال الجنوب واستئناف الحركة الشعبية ممثلة بقطاع الشمال الحرب والتمرد. ورأت أن محيط حدود عام (1956م) في ولاية جنوب دارفور هو الذي يمكن أن يكون الملاذ الآمن لها لتنطلق من عمق دولة الجنوب للاعتداء على الولاية السودانية. لذلك رأت الحكومة أن يكون هناك المسؤول الأول في الولاية عسكرياً بحكم خبراته التي اكتسبها من العمل العسكري أثناء خدمته في القوات المسلحة. ولعل بعض الناس يذكر في سياق هذا الأمر وضع ولاية النيل الأزرق بعد أن تمرد واليها الذي قيل إنه منتخب «مالك عقار». فالفرق شاسع.. فذاك كان شعاره في الانتخابات «الهجمة أو النجمة».. وهو شعار غريب في ظل عملية انتخابية ديمقراطية، وأسوأ من ذلك قام بالتمرد في ولايته، أي إنه حتى بعد إعلان فوز «النجمة» لم يترك «الهجمة».. وكأن الشعار كان «النجمة ثم الهجمة». فهذا الذي حدث. فقد زوَّرت الحكومة لصالحه وضد المؤتمر الوطني الانتخابات من أجل النجمة، وهذا يبدو وهو الذي أغراه للهجمة بعد «النجمة». المهم كان بديله المناسب والي عسكري هو اللواء الهادي بشرى. لكن ولاية جنوب دارفور فإن واليها السابق الشيخ «حمَّاد إسماعيل» كان تغييرًا بسبب ظروف الولاية الأمنية والولاية تقع على حدود عام «1956م» وتعاني من نشاط التمرد الذي اتجه إلى هناك بعد أن استصعب البقاء قرب حدود السودان مع تشاد وليبيا بحكم التطورات المعروفة للناس وللمراقبين كافة. والشيخ الجليل حمّاد إسماعيل يصلح أن يقود الولايات الأخرى التي لا تتأثر بنشاط قوات التمرد الدارفوري وقوات قطاع الشمال التي اختارت حدود ولاية جنوب دارفور مع دولة جنوب السودان باعتباره الأنسب لخططها العدوانية. والسيد حمّاد إسماعيل أصلاً ليس والياً منتخباً. ومالك عقَّار والي متمرد على طريقة «نيرون».. أما السيد أحمد هرون والي جنوب كردفان فإن نائبه هو اللواء أحمد خميس.. أي أن الرجل الثاني في الولاية عسكري، ولذلك لا داعي ليكون هو الأوّل في ولاية تعاني مشكلات أمنية أيضاً فهذا يكفي إذا كان الوالي منتخباً. وكان من خلافات الترابي مع حكومة البشير قبل أن يحسمها الأخير بقرارات الرابع من رمضان أن يكون «الوالي» منتخباً. لكن الترابي لم يقل باستثناء بعض الولايات إذا كانت ظروفها الأمنية تستدعي أن يكون الوالي معيَّناً من قبل السيِّد الرئيس وليس منتخباً.. ثم يمكن أن يكون شرط ترشيح الوالي في الانتخابات القادمة بالنسبة لبعض الولايات المتاخمة لحدود عام «1956م» عسكرياً، يرشحه حزب أو يكون مستقلاً. لأن الحكومة لا تضمن أي مرشح سيفوز ويمكن أن يكون من حزب آخر غير الحزب الحاكم في الخرطوم. ولا يمكن بالطبع إلغاء انتخابه، فهذا سيكون انتهاكاً للحقوق الدستورية. فمثلاً حزب الأمة يمكن أن يرشح اللواء «م» فضل الله برمة ناصر وهكذا. وإذا أرادت أحزاب المعارضة أن تخوض الانتخابات القادمة فعليها أن تجهِّز عسكريين بالمعاش لترشيحهم لمنصب الوالي في ولايات حدود عام «1956م».