هو فعلاً كلام ساكت غير أنه غير ساكت إحدى المتناقضات في الثقافة السودانية. لو تتبعناها لما عدنا من رحلة التتبع تلك. الدكتور جمال خلف الله مدير الإمدادات الطبية وصلته رسالة من إحداهن... ولكنه سرعان ما تبين أن الرسالة لا تخصه.. وكان من الممكن أن تنتهي الحكاية هنا، فالرسائل التائهة أكثر من السكتات القلبية هذه الأيام. غير أن صاحبة الرسالة أرسلت له رسالة معتذرة وإن «البقر قد تشابه عليها». فرد عليها قائلاً: «ومن هم هؤلاء البقرالذين تشابهوا عليكم؟ وما علاقتي بك حتى تعتبرينني ضمن هذا البقر المتشابه عليكم؟ حتى لا تصيبوا قوماً بجهالة.. هذا المثل يقال للأشياء والحيوانات وليس للبشر يا سامحك الله». وأكتم في نفسي ضحكة وأنا أتخيل صديقي الدكتور يكاد يتميز من الغيظ.. وكنت قد كتبت في مقال سابق عن الذي اعتبرني بقرة جاء ليفتح «خشمها لأن المودر بفتح خشم البقرة». نحن يا صديقي كلنا بقر وحمير في القول السوداني الذي لا يعرف كيف يختار الألفاظ والتعابير إلى درجات غير معقولة أو مسبوقة. كم مرة سمعت بعض الذين يصلون لاتفاق يختمونه بعبارة «الخاين الله يخونو».. يا سبحان الله.. إذا كان البشر يخونون، هل الله يخون وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.. أو الذين يستعملون تعبيراً لا أستطيع أن أورده هنا وهم يشكون إنهم قد صلوا صلاة الاستسقاء فلم يأتهم المطر. ومن بعض التعابير التي نستعملها دون أن نتأملها: - يا أخي.. إنت لا ترحم ولا تخلي رحمة ربنا تنزل؟ أو - ده لا برحم ولا بخلي رحمة ربنا تنزل. تعبير شائع. ولكن لو تمعنا في معانيه لوجدنا أننا قد افترضنا شيئين: افترضنا أن الشخص الموجه له الحديث أو المتحدث عنه يمكن أن «يخلي» رحمة ربنا تنزل. ويمكن ألا «يخلي» رحمة ربنا تنزل. والافتراضان خاطئان. رحمة ربنا لا يمكن لأحد أن يتحكم فيها. وقد حسمها الله سبحانه وتعالى في مجادلة مع عبدة الأصنام قائلاً في محكم تنزيله: «ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون» الزمر: «38» كما إنه قال جل جلاله في سورة فاطر: «مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» فاطر «2». ولا أدري من أين جاءنا ذلك التعبير وأصبح أحد المسلمات التي نقولها دون تفكر ودون أن ندري أن المرء لينطق بالكلمة لا يلقي لها بالاً فتهوي به في النار سبعين خريفاً أو كما قال. واختلف مع عدد من الناس جاءوا بتعبير يقول: «اللهم إنا لا نسألك رد القضاء.. ولكن نسألك اللطف فيه».. فإذا فككنا هذا القول وتمعنا ما فيه أننا لن نسأل الله رد القضاء.. لماذا ؟ ونحن يحق لنا أن نسأله أن يرد لنا «رباط» حذاء ضاع منا؟ لأننا نعتقد أنه لا يستطيع رد القضاء.. ولكن يمكن أن يتلطف فيه بأن يجعله خفيفاً ومبلوعاً لدينا. ولأني أؤمن أن قدرة الله مطلقة ولا شيء يستعصي عليه فإنني أسأله في كل وقت وحين أن يرد عني قضاءه. فلعل الله وقد ألهمني ذلك الدعاء أن يرد عني قضاءه لأنه كتب عليَّ في اللوح المحفوظ أن أسأله فيرد عني القضاء. لماذا يفترض الناس أن الله لا يرد القضاء حتى ولو سأله عبيده وهو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه. ولم يرد عنه يوماً إنه قال: إسألوني عن كل شيء إلا رد القضاء. ولكننا يمكن أن نسأل الله أن يلهمنا الرضاء إذا وقع القضاء فلا نجزع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون». إن منزلة الرضاء تحتاج للكثير من التدريب وأخذ النفس بالشدة والانكسار. ولكني أنا شخصياً قد وطنت نفسي على أن أسأل الله عن أي وكل شيء وأن ألح في السؤال لأني لا أسأل بخيلاً أو قابضاً، بل أسأل رحماناً رحيماً طمعاً في ما عنده، فإن أغدق عليَّ كل نعم الدنيا والآخرة فلن ينقص ذلك من ملكه شيئاً. فلماذا لا أسأله أن يرد عني القضاء وهو الذي صنعه وقدره؟ تصويب: ورد خطأ في اسم الشاعر «أبو اللقاء الرندي» فلا يمكن أن يكون اسمه «أبو البقاء الرندي» لأن الباقي هو الله سبحانه وتعالى: الشاعر ورد اسمه في القصيدة التي مطلعها: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغرُّ بطيب العيش إنسان هي الأمور إذا شاهدتها دول من سرَّه زمن ساءته أزمان