حسناً فعلت الحكومة وهي تقدِّم خيار الحوار لحل قضية المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق» لكن يجب أن يكون حواراً مشروطاً بعدم إمساك يد القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية في أداء واجباتها الحمائية للوطن ومواطنيه، وضرورة وقف إطلاق النار أولاً وفتح المسارات الإنسانية للمنظمات الوطنية وليس غيرها، كما أن الحكومة قد توفقت إلى حد كبير وهي تسند رئاسة الوفد المفاوض مع أبناء المنطقتين للبروفسيور إبراهيم غندور فهو رجل كفؤ ولا يعمل بطيش ويحترم الآخرين كما أن الحكومة وُفِّقت كثيراً حين وافقت على حوار أبناء المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق» وليس ما يسمى بقطاع الشمال الذي سقط ممثله ورئيس الوفد المفاوض ياسر عرمان فى أول امتحان حين ركز في الورقة التفاوضية التي دفعوا بها للوساطة، وأعتقد أن ذلك تم بتجاهل متعمد حين ركزت الورقة على القضايا القومية بصورة اختزلت كل قضايا وهموم المنطقتين في فقرة واحدة أو فقرتين، وأحسب أن «عرمان» لم يحدد نقطة ولا شولة في الورقة وإنما هي أجندة وإرادة المجتمع الدولي «الوالغ» أصلاً في الصراع حتى يوازن ما بين مصالحه وأجندة ما يسمى بالجبهة الثورية حاول أي «المجتمع الدولي» فرض «عرمان» على رئاسة الوفد المفاوض في اجتماع محضور تم بأمريكا الدول الغربية التي تسند ظهر ياسر عرمان لا يهمها أن تتضاعف جراحات «كادقلي» و«الدمازين» وتتزايد نسب ضحاياها ومأساتها بسبب التعارك والكاتيوشا التي تفتك كل يوم بالأبرياء ولكن تهمها مصالحها في المقام الأول وحربها لتغيير النظام في الخرطوم على غرار سلوكها مع ثورات الربيع العربي الذي جزَّ رؤوس أنظمة في ليبيا وتونس ومصر ودك عروشها الحيز الكبير الذي حوته الموضوعات الانصرافية في ورقة ياسر عرمان التفاوضية التي تسربت وتضمنها لقضايا مثل الحكومة القومية الانتقالية والحريات العامة بالبلاد وهيكلة الدولة السودانية هذه ليست أجندة المنطقتين وهي سيناريوهات مكشوفة لخدمة أخرين في المعارضة والمجتمع الغربي وهي جعلت أبناء المنطقتين يفتحون عيونهم ويطرحون السؤال: على ماذا نحارب وما هو مردودنا في تحقيق الشعارات التي رفعناها لأهلنا؟؟ في ظل المعطيات الحالية الإجابة تقول إنهم يحاربون بالوكالة عن آخرين بعدما حاربوا بالوكالة للجنوبيين في السابق حتى حققوا انفصالهم ثم تركوهم على الهواء فها هو «عرمان» ومن خلفه عجزة الحزب الشيوعي «المتكلين» وفي براغماتية قبيحة يحاولون وبعد أن تورطوا في سجن تلفون كوكو يحاولون استثمار القتل والحرب والبشاعة في تحقيق أحلامهم من خلال دروس يفترض أن يكون أبناء المنطقتين في المعارضة والحكومة قد وعوها تماماً، لأن قضية النيل الأزرق وجبال النوبة اليوم «وفق ورقة عرمان» لم تعد هي علاقة المركز بالمنطقتين وضعف التنمية والتمثيل السياسي وإنما هي ميدان لعقد الصفقات والأجندة الدولية من خلال طرح قضايا لا علاقة لها بتنمية كادقلي ولا علاقة للكرمك وقيسان بها كذلك، فلا أعتقد أن جنوب كردفان التي قادت «23» انتفاضة ضد الإنجليز قادها رموز وقيادات معروفة على رأسها الفكي على الميراوي والسلطان عجبنا وعلي عبد اللطيف وغيرهم من الرجال الوطنيين كما أن مملكة تقلي الإسلامية وهي الكتلة الأشهر في تشكيل السودان والمهدية نفسها برزت كأول دولة سودانية متماسكة من جبال النوبة فلا أعتقد أن منطقة بهذه الميزات والخصائص بحاجة إلى انفصال أو تقرير مصير أو حكم ذاتي وفق ما طرح في مفاوضات نيفاشا وصنع الاستشكالات التي بسببها جاء فخ ما يسمى بالمشورة الشعبية التي لا يوجد لها تفسير قانوني وسياسي حتى الآن فبينما في وجهة نظر الحكومة أنها آلية ديمقراطية يستفتى فيها أبناء جنوب كردفان عبر مجلسهم التشريعي المنتخب في اتفاقية السلام وما حققته من تنمية وتمثيل وإن كانت قد لبت مطالبهم أم أنها لا تزال بحاجة إلى إضافات وتكملات وأما في الاتجاه الآخر قذهبت الحركة الشعبية للتعبئة والتبشير بأن المشورة الشعبية هي تخيير أبناء جبال النوبة بين البقاء ضمن ولايات الشمال مع «التمتع بالحكم الذاتي» أو «تقرير المصير» وهو اليوم أعلى سقف تضمنته ورقة التيار العلماني والمجتمع الدولي الذين يفاوضون بها باسم المنطقتين ويصر وكيلهم «عرمان» على تسمية التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ويظل التطور الإيجابي الكبير الذي أحدثه البروفسير إبراهيم غندور هو توسيع دائرة المشاركة والمرجعيات في الوفد المفاوض من أصحاب المصلحة من المنطقتين فلا أحد من المتمردين أو «الوكلاء» يستطيع أن يزاود على اللواء إبراهيم نايل إيدام أو اللواء محمد مركزو كوكو أو حسين كرشوم أو الدكتور حسين حمدي أو عبد الرحمن أبومدين أو الفاتح يوسف المك عدلان وغيرهم من أعضاء وقيادات وفد الحكومة وهو توازن في نظري يحفظ للمنطقتين حقوق أهلها وبمقدورهم حسم أي أجندة تتعارض مع مصالح أهلهم في هذه الجولة الاستكشافية جنوب كردفان على الرغم من أنها منطقة تواصل ثقافي واجتماعي فقد أُضيفت لها اليوم ميزة أخرى وهي تحادد دولة الجنوب بطول «746» كيلو مترًا تمتد من الميرم أقصى الجنوب الغربي حتى المقينص في الجنوب الغربي وربما تنقص بعد قيام ولاية غرب كردفان لكن هذا واقع جديد ربما يحاول الغربيون استثماره في التفاوض وإظهار الخلاف كصراع ثقافي عنصري وتحريك مشاعر القواعد وربما أيضاً يتطلب هذا الوضع الجديد وقضية فك الارتباط تدخل دولة الجنوب في مرحلة من مراحل التفاوض بصورة قد نضمن عواقبها لكن التحدي الأكبر هو كيف يتمكن الوفد الحكومي وأبناء المنطقة من الوفدين أن يظهروا إرادة قوية ويصلوا إلى سلام مستدام وحلول تُنهي حالة الحرب والدمار وتؤسس إلى تنمية مستدامة بالمنطقة بعيداً عن المزايدات السياسية.