«اليابان لم يكن لديها اهتمام شديد بالسودان فيما سبق، إلا أن هذا الاهتمام ازداد خلال الأعوام الأخيرة خاصة من الناحية الإستراتيجية حيث أصبحت لدى الحكومة اليابانية بعد إرسال قوات الدفاع اليابانية إلى العراق طموحات جديدة لأن تكون قوة عسكرية كبيرة مرة أخرى وأن تدخل مجلس الأمن وأن تشارك في السياسة الدولية على المستويين السياسي والعسكري». بهذه العبارات وصفت الباحثة المتخصصة فى تاريخ الوطن العربي الحديث اليابانية الأصل الدكتورة يوشيكو كوريتا موقف بلادها من السودان، وقالت فى ردها عن سؤال ضمن حوار بصحيفة «الأهرام» المصرية: «من الواضح أن الحكومة اليابانية وجدت فيما يحدث في السودان فرصة طيبة في التفكير لإرسال قوات حفظ سلام إلى السودان، ونتيجة لذلك ظهر الاهتمام الياباني المتزايد بدارفور لتحقيق طموحات الحكومة اليابانية في المشاركة بالسياسة العالمية»، واللافت أن الإستراتيجية اليابانية كانت موحدة فى إطار السودان وجنوبه عندما كانا دولة واحدة وعقب الانفصال غيرت اليابان إستراتيجيتها واتجهت للاستثمار في الشمال بشراء عدد من المصانع في السودان من بينها مصنع السجائر ومصانع أخرى للمواد الغذائية، وأبدت اليابان رغبتها في المساهمة بأعمال تنموية ضخمة مما جعلها منافساً قوياً لدولة الصين التي تعتبر شريكاً إستراتيجياً للسودان، وبالرغم من الرؤية الاقتصادية التي استندت إليها اليابان أخيراً لدعم موقفها إلا أن موقفها فى مجلس الأمن تجاه القضايا السودانية لم يتغير، ولم تبد أدواراً واضحة، إذ أنها لم تستطع الخروج من صف المجتمع الدولي لتعارضه مع أمريكا وبريطانيا، وفي ذات الوقت لم تنضم إلى أنصار السودان كروسيا والصين. ويقول عدد من المراقبين للعلاقات الدولية إن اليابان تسعى بأهدافها الإستراتيجية لقطع علاقة السودان مع دولة الصين، مثلما تريد أمريكا أن يقطع السودان علاقته مع إيران كي ينضم للمعسكر المناويء للصين وروسيا وكوريا الشمالية، وتناست اليابان أن الصين شريك إستراتيجي حقيقي للسودان، وممثل قوي فى القارة الآسيوية، واستبعدوا على الحكومة السودانية التنازل عن علاقتها مع الصين واستبدالها بدولة أخرى من أجل بعض الاستثمارات التي يمكن أن تبيعها في أي وقت وتخرج بعكس الصين، ويقول بروفيسور محمد حسين أبو صالح الخبير الإستراتيجي: كنا متفائلين بدور الصين ومواقفها الإيجابية تجاه السودان خاصة رفضها قرار مجلس الأمن وقضية المحكمة الجنائية، وفيما يتعلق باليابان فى بداية التسعينات كان موقفها سالباً إلى حدٍ ما، وبأي حال لن تحل مكان الصين، ومعروف ماذا يريد الكل من السودان، ولكن السؤال الأهم هل يعرف السودان ماذا يريد من الآخرين ؟ ويمضي أبو صالح في رأيه أن اليابان يمكن أن تكون بوابة السودان لدول أخرى، مما يؤكد أن السودان ليس لديه رؤية إستراتيجية واضحة حول الآخرين، وإذا استطاع السودان تحديد هذه الإستراتيجية يمكنه تبادل المصالح مع الدول الأخرى، بجانب أن الإستراتيجية والرؤية الواضحة من شأنها أن تفرض أجندة السودان على العالم الذي يريد السيطرة والحصول على الموارد الطبيعية الموجودة فى السودان، والسودان يحتاج إلى رؤية إستراتيجية لإدارة الموارد الطبيعية التي يمكن أن تكون أساس التبادل التجاري مع الدول والتحكم في الموارد. ولكن مدير الوكالة اليابانية للتعاون الدولي بالسودان قالت في حوار لها نشر بالزميلة «آخر لحظة» إن دولتها ترتبط مع السودان بعلاقات سياسية اقتصادية عن طريق السياسة الدولية والتجارة والاستثمار. وقالت إن السودان بلد صديق وشريك متساوٍ، حقق قدراً كبيراً من الاستقرار والسلام، له تأثيراته على إفريقيا. ويقول البروفيسور عصام الدين عبدالوهاب بوب إن اليابان قدمت للسودان فكرة إدخال زراعة الأرز التي نفذت في مشروع أويل «بجنوب السودان سابقاً» في العام 1971م، وقال إن اليابان أسهمت في مشروع سكر كنانة، حيث بلغت النسبة «7.5%» من رأسمال المشاركة. مضيفاً أن فى العام 1992 توقف العون الياباني للسودان، ضمن «المقاطعة الاقتصادية» غير أنه في السنوات القليلة السابقة، عادت لمواصلة الدعم خاصة فى مجالات العون الفني في مشروعات زراعية جديدة، وإعادة تأهيل مشروعات الإنتاج للأرز في النيل الأبيض، وكذا إحياء تأهيل وتدريب الكوادر السودانية في اليابان خاصة في المجالات الزراعية والصناعية والإدارية. وكما قدمت اليابان مساهمة في مناطق معسكرات اللاجئين في شرق السودان، ومناطق أخرى في دارفور والنيل الأزرق بتنفيذ مستشفيات، وعيادات مجانية، كان لها دعم قوي للصحة في كسلا وجبال النوبة. ولكن الخبير الاقتصادى البروفيسور محمد الجاك أحمد، يرى أن التعاون الياباني السوداني لا يرمي لأهداف سياسية ولا يتطلب التبعية الاقتصادية أو السياسية، إذ أن اليابان تركز في تعاونها على جوانب لها مردود تنموي كدعم متضرري الحروب أو قضايا إنسانية، ويرى البروف الجاك، أن المحافظة على هذا التعاون مفيد لدرجة كبيرة أكثر من الدول الأخرى التي تسعى للاستثمار في السودان بأهداف محددة. ويقول إن اليابان ظلت تقدم المنح التعليمية للسودان، فنال كثير من السودانيين تعليمهم بجامعات يابانية، إضافة أن ما حققته اليابان من تقدم تكنولوجي يحتاجه السودان، يجعله يستفيد كثيراً من خبراتها في تلك المجالات.