بدأ رئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نودا زيارته مؤخرا للهند بتصريحات جعلت صحيفة الأساهي شمبن - أوسع الصحف اليابانية انتشاراً - تفرد افتتاحيتها للحديث عن الزيارة تحت عنوان: "الإتفاقيات اليابانية الهندية تستهدف الصين". أشار رئيس الوزراء نودا في لقاء له مع بعض الصحف الهندية إلى أن دول المنطقة تنظر بقلق شديد للزيادة المضطردة في ميزانية الدفاع الصينية ، خاصة وأن الصين تحيط الأمر بالكثير من السرية وعدم الشفافية على حد قوله. وفي محاضرة له بنيودلهي قال رئيس الوزراء أن للهند واليابان مصلحة حقيقية في تأمين الممرات المائية في جنوب وشرق آسيا ، وقد جاء هذا الحديث على ضوء ما اتضح مؤخراً من ازدياد في حجم ونوعية الوجود العسكري الصيني في المنطقة وبالنظر لاعتماد كل من تجارة الهند واليابان بصورة كبيرة على الممرات المائية في المنطقة. فبينما تمر نسبة 97% من تجارة الهند عبر الممرات المذكورة فإن اليابان تعتمد بصورة شبه كاملة على نفط الشرق الأوسط الذي يأتيها عن نفس الطريق. عاشت اليابان ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحت حماية المظلة النووية الأمريكية في مواجهة قوى عظيمة تمثلت في الاتحاد السوفيتي عندئذٍ والصين. ورغم أن العلاقات اليابانيةالأمريكية لا زالت تمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية والدفاعية لليابان ، إلا أن صعود نجم الصين كقوة إقليمية وربما دولية عظمى والتراجع في الدور الأمريكي جعلا اليابان تتجه نحو ترتيبات دفاعية إقليمية تضمن أمنها. قامت اليابان بتوثيق علاقاتها مع مجموعة الآسيان وكوريا الجنوبية ، ثم وقعت في عام 2007 اتفاقاً للتعاون الأمني مع استراليا. وبالرغم من الترتيبات التي اقامتها اليابان مع الدول المذكورة ، إلا أن التعاون مع الهند يحتل موقعاً مهماً في استراتيجية اليابان بعيدة المدى بالنظر للتطور الكبير في القوة العسكرية الصينية. ومن القرارات ذات الدلالة في هذا المجال أيضاً السماح للشركات اليابانية بالتنافس في سوق السلاح العالمية وهو الأمر الذي كان محظوراً عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلا فيما يتعلق بالتعاون مع الولاياتالمتحدة. وقعت الحكومتان اليابانية والهندية اتفاقاً للتعاون الأمني في عام 2008 يقوم على مذكرة التفاهم التي سبق أن وقعها وزيرا الدفاع بالبلدين في عام 2006. حدد الاتفاق مجالات للتعاون الأمني والعسكري بين الطرفين اشتملت على تأمين الممرات البحرية ، والتعاون في مجال خفر السواحل ، والحرب ضد الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الدولية ؛ وستبدأ القوات البحرية للبلدين مناورات مشتركة خلال هذا العام. ظلت الهند وحتى وقت قريب تتحدث عن مجالها الحيوي باعتباره ممتداً من خليج عدن وباب المندب وحتى خليج ملقا في جنوب شرق آسيا ، إلا أن مشاركة قطع من أسطولها البحري العام الماضي في مناورات في شمال المحيط الهادئ يؤكد أنها وسعت كثيرا من مجالها الحيوي نتيجة للنمو المضطرد في مقدراتها الاقتصادية والعسكرية والتوسع في المصالح التي تربطها بدول المنطقة. ويأتي الحوار الاستراتيجي الثلاثي الذي يضم بجانب الهند واليابانالولاياتالمتحدةالأمريكية والذي عقد أول جلساته في واشنطن خلال شهر ديسمبر المنصرم دعماً لهذه الترتيبات. لم تقتصر زيارة رئيس الوزراء الياباني على المجالات العسكرية بالطبع حيث كان المكون الاقتصادي بارزاً خلال الزيارة فقد وافق الزعيمان على رفع سقف التعاون النقدي بين بلديهما إلى 15 بليون دولار دعماً للعملة الهندية التي شهدت انخفاضاً في قيمتها بلغ 20% كنتيجة للأزمة المالية العالمية ، كما اتفقا على توسيع التعاون في مجال استعمال الطاقة النووية للاغراض السلمية ، ووافقت اليابان على دعم المشروع الهندي الطموح الذي يطلق عليه اسم "الممر الصناعي" والممتد من نيودلهي حتى مومباي. وعلى الجانب السياسي حصل رئيس الوزراء الياباني على دعم الهند للوجود الياباني في القرن الأفريقي في إطار الحملة العالمية ضد القرصنة على سواحل الصومال وجنوب الجزيرة العربية. جاء رد الفعل الصيني الرسمي على زيارة رئيس الوزراء الياباني للهند هادئاً ومتحفظاً بعض الشئ حيث أشار الناطق الرسمي للخارجية الصينية إلى أن بلاده على استعداد لإقامة علاقات طيبة مع كل من الهند واليابان ، وأن اليابان والصين تتفقان على أن التعايش السلمي والتعاون الاقتصادي سيكونان حتماً في صالح شعبي البلدين ، وأن بلاده على استعداد للعمل مع الهند واليابان من أجل تحقيق السلام الإقليمي. غير أن المراقبين الصينيين في مراكز الدراسات كانت تحليلاتهم أكثر واقعية حيث تحدثوا عن قلق الصين البالغ بشأن التعاون العسكري بين الهند واليابان ، وقد أشار هؤلاء بصفة خاصة لقرار الحكومة اليابانية برفع الحظر عن صادرات السلاح للدول الأخرى. بالرغم من بعدنا الجغرافي عن المنطقة إلا أننا لا نشك لحظة بأن الجهات المعنية في بلادنا تتابع باهتمام تطورات الأوضاع هناك ، فالهند والصين تعتبران من أكثر الدول تعاوناً مع السودان في العديد من المجالات وعلى رأسها بالطبع المجال الاقتصادي. بل إن الحكومة السودانية تسعى لترقية علاقاتها مع الصين لمستويات استراتيجية عليا على حد تصريحات عدد من كبار المسئولين في الدولة ، ولعل ما ورد مؤخراً على لسان محافظ بنك السودان بأن السيد رئيس الجمهورية طلب من السلطات الصينية خلال زيارته الأخيرة لبكين وقف التعامل بالدولار واستبداله بالعملتين الوطنيتين يؤكد ذلك. ومع إيماننا التام بأن العمل من أجل علاقات استراتيجية بين دولة صغيرة وقوة عظمى قد يكون هدفاً صعب المنال في ظل الظروف التي تحكم السياسة الدولية في عالم اليوم ، إلا أن السودان كان الدولة الأفريقية الوحيدة (قبل انفصال الجنوب) الذي شهد تعاوناً بين الهند والصين في مجال استغلال الموارد الطبيعية بالرغم من تنافس الدولتين المعهود في هذا المجال ، مما يعني أنه حقق هامشاً من المناورة يتيح له التحرك بفعالية دون خطر الوقوع في تحالفات قد لا تخدم مصالحه. ولعل الحكمة تقتضي أن نحدد أهدافنا على الساحة الدولية بعناية شديدة ، ونتبع الوسائل المناسبة التي تساعدنا على بلوغ هذه الأهداف. Mahjoub Basha [[email protected]]