في جلسته الثانية بعد عودته، عقد صالون الراحل سيد أحمد خليفة في منبره أمس جلستين، كانت الثانية مع والي الخرطوم. أما الأولى التي دار محورها حول الوضع السياسي الراهن، فقد شهدت بجانب المتحدثين من المؤتمر الوطني ربيع عبد العاطي ومعتصم عبد الرحيم ومن المؤتمر الشعبي المحبوب عبد السلام وأبوبكر عبد السلام مشاركة مقدرة من رؤساء التحرير. الملاحظ أن وجود المعارضة اقتصر على الشعبي فقط دون الأحزاب الأخرى، بإمارة أنه لم يتم تقديم الشعبي على أنه ممثل لقوى التحالف. الصالون بدأ بعرض فكري هادئ من المحبوب، لينتهي بملاسنات خشنة بين ربيع وأبو بكر، كان آخرها مصافحة الطرفين لبعضهما في ختام الجلسة. المحبوب اتجه ومن خلال تجربته في الهجرة عقب مفاصلة الإسلاميين وتأسيس علاقات مع الخصوم في الحكم، وفي الطرف الآخر عمل على عرض تجربته في النظر للجانب الإيجابي في الأوضاع، مشيرا إلى أهمية أن يبحث السودانيون عن الإيجابيات في العلاقة فيما بينهم، خاصة إذا كانت البلاد تمر بحالة بالغة التعقيد، إما أن تكون أو لا تكون. وفي معرض تساؤله عن ماهية تفاصيل مشروع الأمل الذي من خلاله بذل العون للناشطين في الساحة السياسية قال إن الإيجابي في القضية السودانية أن تدفع الهموم بالجميع للتقارب والتلاقي رغم مكايدة البعض، والزمن كفيل بأن يجعل الناس أكثر موضوعية، بحيث ينظرون للمشكلات كما هي عليه، وليس من زاوية سياسية. وأشار إلى مشاركته في عدد من الندوات بالخارج، تناولت المشكلة السودانية، موضحاً أن الفترات الانتقالية المديدة التي مرت على البلاد هيأت لنا خبرات وافرة بحيث تبدو حلول الإشكالات التي نعيشها في متناول اليد، وخلص المحبوب إلى أن تلك الندوات أطرت للحل في كلمتين «حالة انتقالية»، وشبه المؤتمر الوطني بأنه كمن تزوج سنين عدداً ثم قيل له إن العقد باطل. مشيراً الى عدم رضاه بالحل الانتقالي، ونوه الى مخرج آخر قدمه الواثق كمير وفيه حث الوطني للالتزام بالاتفاقيات التي أبرمها، سواء اتفاق الشرق أو القاهرة. ولفت الى أن تجارب الانتقال التي مر بها السودان وحركة الكتاب والكتاب وحركة الوعي العامة في السودان لا محالة ستعبر عن نفسها ذات يوم، مستدلاً بالحركات التي بدأت مطلبية في مصر وتونس وانتهت إلى الإطاحة بأنظمتها. وبدا المحبوب واثقاً من تلك المآلات لدرجة أنه تمنى ألا يتمخض ذلك الوعي عن إقصاء الإسلاميين. وفي الطرف الآخر نفى ربيع عبد العاطي أن تكون الصورة شائهة كما يتصور البعض، وقال إنهم دائماً ما ينتصرون علي التحديات التي واجهتهم، سواء في الاقتصاد أو السياسة أو معاش الناس وفي مسألة الحوار أشار الى مبادرة رئيس الجمهورية للحوار مع الأحزاب كافة وانتهى الى أن الإشكال الأساسي يكمن في الجوانب الشخصية ذات الصلة بالقيادات، ووصفها بأنها مربط الفرس، واستفهم عن كيفية حل هذه العقدة. أما معضلة الحكومة مع المعارضة كما أسماها فهي الحكومة الانتقالية التي تدعو إليها الأخيرة. وتساءل عما إذا كان للمعارضة الحق في أن تملي على الشعب من يمثله بالتعيين. أما معتصم عبد الرحيم فقد ذهب لتشخيص الوضع السوداني مباشرة بقوله إن البلاد محط اهتمام خارجي كثيف ومتصاعد لدول عظمى ودون ذلك، المشهد السياسي، فصنفه الى فريقين الأول فاعلون ظاهرون في النظام السياسي من قبيل الأحزاب السياسية والطرق الصوفية, وهولاء ليسوا في أحسن حالاتهم، فهم متعبون ومنهكون. والثاني فريق قوامه قوى فاعلة ومتحركة في المجتمع السوداني ولكنها مخفية، وهذه القوى وصلت لمراحل من العلم والاطلاع على نحو لم يتوفر لغيرها. وأجمل معتصم حديثه في أن الوضع السياسي الراهن بحاجة لهزة ومفاجآت قوية من الفاعلين الرئيسيين. وقال لا أدري إن كان لا يزال هناك وقت ليتحرك أولئك الفاعلون «ويقيفوا على حيلهم» أم لا. وبدورهم تطرق عدد من رؤساء تحرير الصحف لقضايا تتعلق بتشخيص أصل الأزمة والأمن العام والتفاوض حول الوطن وثمة مواطن قارئ قال إن داء الجوع أصبح مرضاً صديقاً مثله مثل الضغط والسكر، ولكن غير المقدور على صداقته هو غياب الأمن. وقال نحن الآن في محطة«اقرعوا الواقفات». وفي تعقيبه قال المحبوب، نحن وصلنا لمرحلة ما بعد الصورة الشائهة، وفي معرض رده على تجاهل ضربة أم روابة قال نحن نتحدث عن الجوهر وليس العرض. وقال إن الوضع الانتقالي لا يتحدث عن التمثيل الشعبي لأنه ببساطة وضع انتقالي. وقال إن تركيز الحكومة في الدستور الذي لا تكتبه الأحزاب إنما المنتخبون. وأشار إلي أن الوضع الانتقالي لا يعني بالضرورة حكومة انتقالية. وقال إن الدستور يتطلب إبداء تنازلات. أما أبو بكر عبد الرازق فقد وصف الهجوم على كردفان بأنه رد فعل على أجندة الحكومة التي حملتها للتفاوض في أديس أبابا، ووصفها بأنها ردة فعل طبيعية، وأنكر على المحبوب قوله بأن الوضع الانتقالي لن يضر بالمؤتمر الوطني، بقوله هذا غير صحيح، فالانتخابات ستبعده، وستأتي بالأحزاب التي لها وزن جماهيري. وفي تعليقه ذهب ربيع الى أن أبو بكر لا يمضي في اتجاه الإصلاح، ووصف نهجه بغير المقبول، وخاطبه بأن عليه أن يستحي من قوله إن ضربة كردفان رد فعل. مضيفاً أن المتمردين لم يهاجموا الجيش إنما مواطنين عزل ذبحوهم كالشياه. واسترسل ليتحدى أبو بكر والمحبوب بمناظرة عالمية. فرد عليه أبوبكر: وأنا أتحداك أنت وعلي عثمان محمد طه وأمين حسن عمر. واحتد الطرفان وعلت أصواتهما. وتكررت عبارات التحدي من هنا وهناك، ليقول ربيع إنه يتحدى سياسياً وعلمياً وليس تحدي عضلات. أخيراً وصل المايكرفون لمعتصم الذي لوَّح بأن احتمالات التطهير العرقي واردة في البلاد، بقوله من واقع معلوماته في الداخل والخارج أن السودان مستهدف، وإذا«الناس الفوق ديل ما اتحركوا فإن احتمال أن يجيء اليوم الذي لا يجدون فيه أنفسهم وأولادهم وأحفادهم» احتمال قائم. وكان لافتاً في نهاية الصالون أن تبادل كل من ربيع وأبو بكر، السلام والابتسام.