تعجب الكثيرون من هجوم عثمان في صحيفة التيار «المعاكس» على صحيفة الإنتباهة والمهندس الطيب مصطفى وأخيراً الأستاذ إسحاق أحمد فضل الله، وخاصة المقال الذي اتهمهما فيه بخدمة الإستراتيجية الدولية.. وهل يصدق كاتب حصيف أن هذه الإستراتيجية دولية؟ إنها إستراتيجية أمريكية دماً ولحماً ومن ورائها الصهيونية، ووجه الغرابة في هذا الاتهام أنه مردود على صاحبه فهو الذي دُعي إلى زيارة أمريكا وعاد منها يدبج المقالات الطوال ويسوِّد الصفحات بالمقال، وزاد على ذلك التغزل بإسرائيل فانطبق عليه المثل: «رمتني بدائها وانسلت» وقد كان رد الدكتور محمد علي الجزولي كافياً وشافياً ذكر فيه رأي يهود أوربا وبريطانيا في الكيان الصهيوني أنه كيان إرهابي متوحش ومرتكب لأفظع المجازر.. وقارن بينه وبين كوهين المحامي اليهودي الذي قال عن إسرائيل: إنها دولة غير شرعية وقال يهود روسيا العائدون من إسرائيل إنهم عائدون من الجحيم، وكان رد الأستاذ الشاب كمال أحمد يوسف في رد دعوى أن إسرائيل لا تريد الأرض بأنها الآن على مرمى حجر من دمشق وهي في بغداد تعيث الفساد، وأضيف إليهما أن الصهاينة منذ مؤتمر بال بسويسرا 1897م كان شعارهم: أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل، وقد كان ردهما كالوخز بالإبر، أما أنا فسأستخدم القرض بالمقارض لأنه ألم في النزع وأشد من فعل القوارض بالزرع، ونبدأ بالديمقراطية الأمريكية والتي شهد شاهد من أهلها وهو السناتور بوب بادلي أو فاندلي قال إنه: كان نصيراً لإسرائيل في كل أطوار حياته وندت منه كلمة حق.. «أن للفلسطينيين الحق أن يعيشوا في وطنهم كاليهود» وكان المرشح الأقوى لنيابة الرئيس الأمريكي ومن يومها أسكتت صوته الآلة الإعلامية الصهيونية التي تملك المال الذي يزلزل الرجال، وحُرم من اشتراك الرئيس في لياليه السياسية وفوّزوا منافسه فكتب كتابه «من يجرؤ على الكلام؟» ينبه الشعب الأمريكي للخطر اليهودي، أما عن ديمقراطية إسرائيل فنكتفي «بالجدار» الذي يشق الأراضي الزراعية الفلسطينية ويقتلع الأشجار والذي هو أعلى وأشد سماكة من سور برلين ونقول هنا: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا، ونضيف أيضاً تعليق مذيعة تلفزيون إسرائيل وقد رأت هول الرصاص المسكوب على أهل غزة فقالت: هذه حرب غير عادلة يقتلون منا واحداً ونقتل منهم ثلاثمائة ثم أجهشت بالكباء فاتصل أكثر من ثلاثة وأربعين ألفًا من مشاهدي التلفزيون يطلبون إقالة تلك الفتاة، أما عن إنسانية عرب «48» الذين يرزحون تحت الاحتلال دون سائر العرب فهي فرية عظيمة لا تعليق إلا قولهم: التركي ولا المتورك ونقول: الصهيوني ولا المت...» أعود بكم الآن لتعرفوا السر الدفين وسبب العداء المكين، فعند جهينة الخبر اليقين. فالباشمهندس عثمان ميرغني مغرم ب«كفاية» المصرية وكتب عنها كثيراً فأراد أن ينقلها إلى السودان لكن عرف أن هذا تقليد أعمى لا يليق.. فلمعت له فكرة ثم برقت فملأت جوانحه فتفتق ذهنه عن فكرة «منبر السودان» وقد استبطن منبر السلام العادل، فالتقط ورقة وقلماً وسطّر أفكاراً متناثرة في كلمات متنافرة، وشرع يكثف الإعلان عن ذلك المنبر ولما حان يوم المولد والرجل من الذين يعرفون أقدارهم عملاً بالأثر «رحم الله رجلاً عرف قدر نفسه» فوقع اختياره على قاعة المرحوم الدكتور/ محمد عبد الحي وهي قاعة لا تكفي لاجتماع تمهيدي لأصغر كلية في جامعة الخرطوم.. وكنت وصديقي الشاب من المبادرين فوجدنا القاعة قد امتلأت فسجلنا أسماءنا ووقفنا خارجها وجاءت الحشود.. وكان الرجل مبهوراً بهذا الحضور فطلب من معدي أجهزة تكبير الصوت نقلها إلى الخارج فقالوا له تصديقنا بالداخل فقط، فقلت لصاحبي: هذا أول إسفين دق في مهد الجنين، فاستعاضوا عن ذلك بمكرفون يدوي مشروخ أشبه بمكرفون الخزين، المعروف، فتبارى المتحدثون من كل شكل ولون، فعرفناهم بأسمائهم وسيماهم وقد اقترح أحدهم أن يكون عثمان هو الرئيس بعد تمنُّع قبل بالتكليف، واختير بقية الأعضاء واقترح بعضُهم التبرع بالمال وشرع المتحمسون بتسجيل أسمائهم وأن يسجل رقم حساب بأحد البنوك خوفاً من الشكوك وللحقيقة لم نسجل أسماءنا في المتبرعين وانفضّ الاجتماع الأول، وكان الاجتماع الثاني بساحة المولد بشرق الحلة الجديدة وجنوب الإمدادات الطبية وتكاثر الحضور وما استفادوا إلا الغبار المنثور وقفنا هذه المرة مع المتفرجين ثم أعلن عن اجتماع ثالث ببحري وعن مسيرة يحدد يومها فيما بعد.. وتابعنا الصحف اليومية فلم نسمع خبراً ولا وجدنا أثراً.. وذهب هذا المنبر مع الريح بلا طعم ولا ريح، وأصبح كالذي قيل فيه: إن حظي كدقيق نثروه فوق شوك ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه، ومن باب الشفافية التي يطالب بها عثمان ميرغني نسأله أين ذهبت تلك التبرعات هل سددت بها حقوق الاجتماعات أم ماذا؟، وقد عرفتم السبب فبطل العجب!! أما منبر السلام العادل الذي كان سبباً للهجوم فإن أصله ثابت وفرعه في السماء فقد طال واستطال وصار اليوم يعقد الندوات.. ويسير القوافل إلى الولايات وكان آخرها ولاية النيل الأزرق التي هرب واليها صاحبه عقار ولاذ بالفرار بعد أن أشعل في شعبها النار واتصل به عثمان ساعة الأسحار وقد أفضى إليه ببعض الأسرار.. كما جاء في صحيفة التيار، فما أبعد الشقة بين المنبرين أحدهما لصق بالطين والآخر طار بجناحين مستعيناً برب العالمين.