خاضت القوات المسلحة السودانية معارك في جنوب السودان اعتبرت من أطول الحروب الأهلية، إذ استمرت زهاء الخمسة عقود منذ عام 1955م أي قبيل إعلان استقلال السودان، وانتهت بتوقيع اتفاق نيفاشا في عام 2005م الذي أدى إلى انفصال جنوب السودان، مفرزاً واقعاً جديداً فرض على القوات المسلحة السودانية إعادة حمل السلاح لمواجهة التهديدات العسكرية للمتمردين على البلاد من بقايا الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب والمدعومين بالمال والسلاح من جوبا، فضلاً عن تمرد دارفور الذي وجد أيضا ملاذاً آمناً في دولة جنوب السودان وبعض دول الجوار الجغرافي ودول أخرى منها دولة الكيان الصهيوني. فهذه الخبرات القتالية التراكمية للجيش السوداني وضعته في خانة احد أقوى الجيوش العربية والإفريقية ليس عدة وعتاداً بل بعقيدته العسكرية التي تمثلت في استبسال وتضحية الجندي السوداني وقدرته على مواجهة المخاطر. والآن تواجه القوات المسلحة حرباً جديدة لم تخبرها أو تخوض غمارها في السابق، وهي حرب المدن التي تتطلب إجراء تعديلات ضرورية في إستراتيجية وتخطيط الجيش السوداني للدفاع عن أمن الوطن وإعادة الاستقرار الى المناطق التي عانت ومازالت تعاني من هجمات المتمردين، والتي تأتي معظمها سريعة خاطفة وأحياناً غير متوقعة، والذاكرة السودانية القصيرة تحتفظ بمشاهد معركة أم درمان التي خاضتها القوات النظامية ضد قوات المتمرد خليل إبراهيم، واستطاعت انزال الهزيمة النكراء بهذه القوات. ومعارك الجيش في مختلف الجبهات التي ظلت تفتحها الحركات المتمردة في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان وأخيراً شمال كردفان، وجدت الحسم العاجل من الجيش السوداني، وأصبحت هذه المناطق مقبرة للمعتدين، والعهد بالقوات المسلحة هو أنها صمام أمان واستقرار هذا البلد، ورغم التاريخ الطويل في أرض المعركة لم تصب بالوهن(war fatigue) وفي السياق تعرف الإستراتيجية بأنها اسم جماعي يطلق على عملية التخطيط لخوض الحروب، قبل أن تنداح لتشمل كل مجالات العمل الإنساني الذي يتطلب تخطيطاً مستقبلياً وفق أسس علمية، والإستراتيجية العسكرية هي فن توزيع مختلف الوسائط العسكرية والإستراتيجية، ولا تعتمد على حركات الجيوش فحسب، بل على تحقيق الأهداف المرسومة، والإستراتيجية المعاصرة في جوهرها لها علاقة بين الوسائط والأغراض والإمكانات البشرية والمادية والمعنوية. وهنالك الكثير من التقاطعات المحلية والإقليمية والدولية تؤدي الى إعاقة القوات المسلحة السودانية عن أداء مهامها، في مقدمتها التدخلات السياسية والبحث عن فرص السلام عبر الحوار مع الفصائل التي أعلنت تمردها على نظام الحكم في البلاد، مما يؤدي إلى تأجيل الحسم العسكري لهذه الحركات المتمردة، ويفاقم من المخاطر والثقوب الامنية التي انهكت كاهل الوطن. العميد أمن «م» حسن بيومي الخبير في الشأن الأمني، أكد أن الجيش السوداني يتحرك الآن وفق تكتيك طوارئ، لأن الأوضاع تتطلب ذلك، مشيراً إلى أن تقاطع قضايا الأمن القومي مع قضايا الداخل فرضت على القوات المسلحة التدخل لدحر المتمردين وتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة، وبالرغم أن هذه العلميات هي من صميم مهام الأمن الداخلي، الا أن تدخل الجيش جاء نتيجة لحالة الطوارئ القائمة في البلاد. وتعتبر القوات المسلحة لأية دولة أحد عناصر القوة الوطنية، مما يتطلب تحقيق الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على هذه القوة حتى تتكامل مع مختلف قوى الدولة الأخرى، أو ما يعرف بقوى الدولة الشاملة لتحقيق الأمن والاستقرار والتطلعات المستقبلية لشعوبها، وذلك عبر تمكينها من امتلاك مصادر القوة تسليحاً وتخطيطاً وتدريباً واحترافاً. وهذه التحديات تواجه القوات المسلحة السودانية في طريق إعادة بنائها وهيكلتها بما يتوافق ومطلوبات الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد.