تعني (فيلادلفيا) أرض الصداقة الأخويّة. وأُطلق عليها ذلك الإسم الجميل عندما كانت حرماً آمناً للهاربين من الإضطهاد الدّيني في أوربا. أطلقته عليها الطلائع الأوربية الأولى التي هاجرت إلى أمريكا. لكن على أرض الصداقة الأخويّة تمت إبادة حركة موف (Move)، عندما قصفتها سلطات فيلادلفيا وألقت عليها قوات البوليس القنابل مستخدمة طائرة هيلوكوبتر، لتُحدث أكبر حريق في تاريخ المدينة. وتحوَّل ستون مسكناً إلى أنقاض وحطام محترق، وأصبح مئات الأشخاص بلا مأوى. حركة (موف) كانت ترى أن بعض الرافضين للمجتمع والدولة يعيش حياته في يأس هادئ صامت، ولا يتَّحد النظام الاجتماعي بنظام اجتماعي بديل. فاختارت في يأسها الغليظ أن تبدأ إنشاء مجتمع جديد تحت قيادة زعيمها (جون إفريقيا). بعد حرق (موف) داخل مساكنها تمّ التعتيم الإعلامي على الحادث. ولم تعط (موف) منصَّة تقف عليها لتروي ما حدث، أو لتتحدث إلى الناس عن قضيّتها وتترافع عن مطالبها. إنما قُصِفت بلا رحمة أو عقل بالقنابل وطُوِيت أوراقها. (موف) حركة تكفير وهجرة على الطريقة الأمريكيَّة. اتخذت مقرّها في شارع (أوساج) في غرب مدينة فيلادلفيا. تقلَّب أفرادها السود البائسون في نار العذاب الإجتماعي الأليم، وتبادلتهم نار الرأسماليَّة ونار الإضطهاد العنصري الفادح. يئس أعضاء موف من خلاصهم من المجتمع الأمريكي، حيث لا يجدون احتراماً ولا موقعاً ولا حياة جديرة بالإنسان. حيث لم يجدوا (مسيحاً مخلِّصاً) لا أسود ولا أبيض ولا (مهدي منتظر) يملأ عليهم الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً. أمريكا أرض من النُّور والأحلام والفرص قد خُلقت، أما بالنسبة لجماعة (موف) فهي كابوس طويل بلا نهاية. كانت طائفة (موف) تنادي بالعودة إلى الطبيعة. وترى أنها تعيش في انسجام مع الطبيعة، ولكنّها على غير انسجام مع المجتمع. كان أفرادها يأكلون الأطعمة الطبيعية فقط والتي لم (تدنسها) التوكنولوجيا والكيماويات. يأكلونها في معظم الأحيان بدون طهي. ولا يُلبسون أطفالهم ملابسَ، وينأَون بأنفسهم عن استعمال، الصَّابون الذي يستخدمون بدلاً منه أعشاباً ونباتات من ضمنها الثوم. ويربُّون كميّة كبيرة من الكلاب. ويقومون بأخذ الكلاب الضّالة ورعايتها ويعتبرونها هدية من الطبيعة، ويُطعمون الفئران التي عندهم بمثابة الشريك في المسكن. كان أهم ما يميِّز أفراد موف مظهرهم، حيث يضفرون شعرهم ضفائر طويلة على طريقة ذيل الحصان. وفقاً لمبادئ (موف) فإن أي شكل من أشكال الحكومات يمثل تدخلاً في حياة الأفراد. كما أنهَّا تعتبر التوكنولوجيا هي سبب التحلل الإجتماعي. ويزدري أعضاء (موف) مياه الصَّنابير والكهرباء التي لا يستخدمونها إلا للضرورة في مكبرّات الصَّوت!. كما أن أيَّ عضو يضيف اسم إفريقيا إلى اسمه. فأسماؤهم هي (وليم أفريقيا) و(ديفيد أفريقيا) و(رتشارد أفريقيا) وإلى آخر ذلك. أُسست حركة موف سنة (1972م) نتيجة للتحالف بين (فنست لوبيز ليفارت) وهو أمريكي أسود ترك المدرسة الأولية وهو في السنة الثالثة ويسمّي نفسه (جون أفريقيا) وبين (دونالد قلاسي) وهو أمريكي أبيض يحمل ماجستير في (الأنشطة الاجتماعيَّة). وتزايد أعضاء موف عن طريق التجنيد. كان اسم (موف) عند بدايتها (الحركة المسيحيّة من أجل الحياة) ثمَّ غيَّرت اسمها إلى (حركة العمل الإجتماعي) وأخيراً اختارت اسم موف (تحرَّك)!. وعُرفت (موف) بسلوكها الغريب أكثر من معرفتها بالعنف طوال تلك الفترة. وفي منتصف السبعينات اتجهت موف للتدريب على الأسلحة الأوتوماتيكيّة والدفاع عن النفس. في عام (1975م) حدث الصّدام الأوّل بين سلطات مدينة فيلادلفيا و(موف). حيث تلقَّت السلطات شكاوى ضد (موف) بسبب الفئران ورائحة الغائط وخرق أعضائها للوائح السكنيَّة. في (1976م) إتهمت (موف) سلطات البوليس بقتل أحد أعضائها ويسمَّى (حياة أفريقيا). ورفضت (موف) تسليم الجثة كما رفضت السماح بتشريحها. في نهاية (1976م) أبلغ (دونالد قلاسي) الأمريكي الأبيض سلطات فيلادلفيا بوجود مخبأ للسلاح في مقر رئاسة (موف). فراقبتهم سلطات البوليس لمدة عشرة أشهر ساعة بساعة، ثم قُبض على أحد عشر عضواً واتهموا بمخالفة قانون السلاح. واعتكف بقيَّة أعضاء موف داخل البيوت لمدة قاربت العام، وهم تحت رقابة البوليس. ثم خرجوا من البيوت بعد اتفاق مع السلطات تعهدت فيه بمنحهم مزرعة في جنوب نيوجيرسي يعيشون فيها مقابل إخلاء البيوت. وقبل تنفيذ الإخلاء حدث صدام أدّى إلى مقتل رجل بوليس. وأُدين تسعة أعضاء من موف بتهمة القتل من الدرجة الثالثة. ثم حدث صدام آخر عند مطالبة (موف) بإطلاق سراح أعضائها المعتقلين فرفض طلبهم ثمّ قامت قوات البوليس هذه المرّة بقصفهم بالقنابل مستخدمة طائرة هيلوكوبتر، لتدمر المبنى ولتحرق موف والمنطقة المجاورة لها، ولتحدث خسائر بخمسة ملايين دولار. وجاء العمدة (ويلسون قوود) عمدة مدينة فيلادلفيا ليعلن مسؤوليته الكاملة عمَّا حدث. ودافع عن المعالجة الدمويّة وإبادة موف وإحراق أعضائها. وذهب إلى إستوديوهات التلفزيون ل (يشرح) تصرف البوليس وتبرير الحريق. وصرح مدير البوليس في فيلادلفيا (جريجور سامبور) أن (موف) قد أشعلت ناراً أخرى عند سقوط القنابل عليها!. اتهمت سلطات فيلادلفيا جماعة (موف) بأنها حركة إجرامية معادية للمجتمع، يجب تحطيمها لأنها تسعى لتحطيم طريقة المجتمع في الحياة. وبدون أي حوار، كان أن أحرقت السلطات (موف) وأصبح لا ترى مساكنها. ذلك وبينما هم مجرد مدنيين فقراء عزل، اختاروا حياة العزلة والإنفراد. إبادة موف التي ارتكبتها سلطات فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا) كانت السابقة الأولى. حيث على غرار إبادتها، أبادت سلطات مدينة (ويكو) بولاية تكساس جماعة (الداؤوديين) وزعيمهم ديفيد قورش. المقال القادم ديفيد قورش وجماعة (الداؤوديين)