بالطبع كانت هزيمة قوى العدوان، وشراذم الإجرام بأب كرشولا حداً فاصلاً بين مرحلة ومرحلة، وإجراء وإجراء، وقرار وقرار، خاصة إذا تمعنا في أوضاعنا، وسبرنا غورها، قبل ذلك بإرجاع البصر كرة واحدة، وليس كرتين. والانتصار بحق وحقيقة، لا يمشي حياً في واقعنا إلا إذا استمرت وتيرة التعبئة والاستنفار، وحشد جميع الطاقات دون ادخار وسع، أو وضع أدنى قدر من مصادر القوة في مخزن أو مستودع من المستودعات. والحديث عن أهداف المتمردين ونواياهم، لم يعد أمراً قابلاً للتحليل تكهناً بمآلات الأحوال، والأو ضاع، فيما لوأسندنا مثل هذا الشأن لفلاسفة يضعون السيف في موضع الندى، كما يضعون الندى في موضع السيف. وما أصدق قول الشاعر في هذا المضمار عندما جادت قريحته في وصف هؤلاء بقوله: إن وضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى ويقول المنهزمون نفسياً والمتراخون معنوياً، بأن الحوار مع المتمردين ينبغي أن يتواصل، كما تتواصل مسيرة التعبئة كأنما يجوز منطقاً، التقاء النقيض مع النقيض، والنفي مع عناصر الإثبات. وآخرون قد تصل بهم الهزيمة النفسية، وتضرب بعنفوانها عل قلوبهم، عندما يقولون بأن للمتمردين قضية، ومن أجلها يحاربون، ولا بدَّ حسب زعم هؤلاء، أن تطرح قضية المتمردين للحوار ليكون هذا الحوار هو السبيل الاوحد لوضع السلاح، وهؤلاء قد فات عليهم بأنَّ قضية التمرد، لم تعد قضية سياسية، بل تحولت إلى أجندات تدميرية وبشاعات ذاق ويلاتها أهل جنوب كردفان تنكيلاً وتشريداً، وهم براء من أو لئك الذين يتخذونهم مطية ليتحول السودان إلى ساحة حرب بإقحام موضوعات لتحقيق طموحات عبد العزيز الحلو ومالك عقار ولا تمت بصلة لأهل جنوب كردفان، وتلك مسألة واضحة عندما بدأت جولة المفاوضات مع ما يسمى قطاع الشمال، حيث لم يكن الوفد وفداً يمثل المنطقتين، بل كان وفداً غايته أن يحول القضية ويحور الموضوعات، ويمدد المهمة ويوسعها. فعرمان لا صلة له بجنوب كردفان وهو الذي قاد وفد التفاوض. وأعضاء آخرون، من شمال السودان وغربه وشرقه، لا علاقة لهم بأهل جنوب كردفان ولا النيل الأزرق، أسبغواعلى أنفسهم صفات ما يسمى قطاع الشمال، وثبت بالدليل القاطع أن هؤلاء يودون أن يكون سكان النيل الأزرق ومواطنو جنوب كردفان هم الضحايا، بمثل الذي حدث متزامناً مع تلك المفاوضات التي زورت موضوعاتها وأشخاص الذين يبنونها. ولعلم أصحاب المصلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق أن هذا التمرد الذي يركب قضيتهم، ويتوق نحو قتلهم وتعذيبهم، وتشريد أطفالهم، واغتصاب نسائهم، قد حان وقت استئصال شأفته، والقضاء على جرثومته بمبيد قاتل، وسيف باتر، وإرادة غلابة. وإن الانتصار في أب كرشولا، هونصرٌ يمثل بداية الزحف وتدشين المعركة، والاستعداد للتقدم جنوباً نحو معاقل التمرد في كاودا، وجميع أنحاء الجبال قصفاً بالمدافع، ورجماً بالصواريخ وإمطاراً بوابل من الرصاص والحمم، لا من أجل أن ينسحب المتمردون تجاه الجنوب ولكن من أجل ملاحقتهم في الكهوف، والتضييق عليهم حتى وإن لجأوا إلى أجحار الزواحف، واحتموا خلف الجبال، ودهاليز الصخور. والانتصار الحقيقي، لا يتحقق، إلا بمواصلة المسيرة القاصدة نحو إقرار الطمأنينة، وطرد فلول المتآمرين من كل شبرٍ في أرض جنوب كردفان والنيل الأزرق، سواء كانت، جبلاً، أم صقعاً، أم غابة، في أسفل الجبل، أو مزرعة يتخذون منها معقلاً في أعلاه.