لم تكن ردة الفعل التي اتخذتها دولة الجنوب تجاه توجيه الرئيس البشير بإغلاق الأنبوب الناقل لنفطها، بذات الحدة التي كانت من قبل في إطار تبادل الاتهامات بينهما، فجاءت خلاف ما توقعه كثير من المراقبين بأن تكون ردة فعل الجنوب أكثر تصعيداً للموقف، ورغم المرونة التي أبداها سلفا كير في تصريحاته بشأن إغلاق الأنبوب إلا أن الرجل ما زال متعنتاً في موقفه ومتمسكاً بمبدئه الذي قطعه تجاه السودان بمعاونة ومساعدة من يرغبون في تفكيك وتفتيت السودان، اتضح ذلك جلياً خلال عدم اعترافه بأن دولته ما زالت تدعم وتأوي المتمردين، وحديثه عن فك الارتباط مع قطاع الشمال، بجانب اتهاماته للخرطوم التي تأوي متمردي دولة الجنوب، مرونة الجنوب على لسان رئيسه عقب اتخاذ البشير لقراره ظهرت من خلال مكالمة هاتفية طالبه فيها بتهدئة الأمور وعدم تصعيدها، بجانب التأكيد القاطع خلال مؤتمره الصحفي أمس الأول على الاستمرار في اتفاقيات التعاون المشترك، وتنكره المتكرر لتقديم الدعم للمتمردين. قرار إغلاق الأنبوب جاء ردة فعل غاضبة للخرطوم رغم الإنذار المتكرر لدولة الجنوب سابقاً في دعمها لقطاع الشمال وإيواء المتمردين، هذا القرار قد تكون نتائجه وخيمة على كلتا الدولتين، الأمر الذي جعل دولة الجنوب تستبق الخطوة وتتدارك الموقف وتلجأ للوساطة لتلعب دورها قبل أن يتأزم الموقف وينذر بسيناريوهات ملغومة يقع عاتقها الأكبر على الطرفين، ولم تكتف جوبا بذلك فقط فسمحت الأجواء بأن يطل على مسرح الأحداث الوسطاء من المشفقين على حال الدولتين من الانهيار خاصة وأنهما أقرب لحالة التوهان عن المركب الذي يؤدي للطريق الخالي من العقبات والمنعطفات، فسارعت جوبا بتدخل الوساطة بغية نزع فتيل تلك الأزمة حتى تسلم الاتفاقيات من الانهيار، ويعي الجانبان الأضرار التي تنجم عن ذلك، أتاح تصرف دولة الجنوب تجاه القرار القاضي بإغلاق الأنبوب رغم حدة التوتر التي أصابت الدولتين، تدخل أطراف وسائطية لنزع فتيل الأزمة الناشبة بين الخرطوموجوبا، ومن هنا يأتي دور الوسيط الإفريقي الذي لعب أدواراً بارعة في حلحلة كثير من القضايا بين الدولتين، ويبقى السؤال مطروحاً والذي يحتاج لإجابة: هل يفلح أمبيكي في معالجة الأمر؟ خاصة وأن دعم جوبا لقطاع الشمال المتكرر أثار غضب الخرطوم بشدة، تصعيد المواقف بين الدولتين لم يكن بالجديد، فتارة يرتفع وتارة أخرى ينخفض، وكعادتها سعت الآلية الإفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي والراعية للاتفاقيات بين دولتي السودان ممثلة في الرئيس ثامبو أمبيكي، باعتبارها الجهة التي تحتكم إليها دولتا السودان في التوسط بين الجانبين، وبحكم أنها وسيط لكل الاتفاقيات التي وقعت بينهما، ولاحتواء الموقف هاتف كلاً من الرئيسين لتدارك الموقف قبل الانهيار، داعياً الطرفين للجلوس للحوار ومناقشة أية مشكلات تطرأ في التنفيذ على الاتفاقيات الموقعة بينهما، ويرى كثير من المراقبين أن المبادرة التي سيطرحها الرئيس الإفريقي ثامبو لم تنجح، وأن الرجل لا يستطيع إقناع الصقور في الجيش الشعبي بعدم مساعدة قطاع الشمال باعتبار أن صوتهم الأعلى، بجانب أن حكومة السودان لا تستطيع الاستماع لأمبيكي بحجة أنها استمعت لما فيه الكفاية كثيراً ولم يأت بجديد، غير أن هناك رؤية ربما تفلح المهمة حال تدخلت جهات أخرى ممثلة في الاتحاد الأوربي وأمريكا باعتبار أن تلك الجهات الأكثر تأثيراً وضغطاً على دولة الجنوب وإقناعها. بينما يرى المحلل السياسي عبد الملك النعيم أن رئيس دولة الجنوب هو من طلب وساطة الاتحاد الإفريقي، مشيراً إلى أن ليس هناك جديد وأن الاتحاد الإفريقي وسيط في توقيع كل الاتفاقيات بين الدولتين، ويمضي عبد الملك في حديثه ل «الإنتباهة» أن ثامبو أمبيكي ليست الشخصية المناسبة لإدارة حوار في هذا الطريق، وهو لا يستطيع أن يؤثر على حكومة الجنوب في إنفاذ الاتفاقية، الجانب الآخر أن تصريحات رئيس دولة الجنوب سلفا كير تشير إلى غير ذلك، لأنه لا يريد الاعتراف بأن دولته تدعم المتمردين وحديثه بفك الارتباط واتهامه للسودان بأنه يأوي متمردي الجنوب، ويقول النعيم إن المسألة ليست في حاجة لوساطة جديدة.