الاختناق القاتل الذي تعاني منه حكومة الجنوب الآن ليس فقط بسبب طوق اليابسة الذي سيظل العلامة الفارقة للدولة غير الساحلية بالجنوب، بل فرضته جملة تحديات خارجية وداخلية أعيا حلها حكماء الجنوب وأصدقاءه المقربين وظلت حكومة سلفا كير تقدح زناد أفكارها للخروج منه، إما من خلال توتر شامل مع حكومة الشمال بهدف إسقاطها إن لم يكن إضعافها أو من خلال بحث حائر ولاهث لحلول شبه وسطية مع منافس وشريك إستراتيجي واثق الخطوة يمشي ملكاً وسط الأشواك التي تزرعها الحركة الشعبية على طول طريق وحدته واستقراره ونهضته وبينما يقوم رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت برحلات ماكوكية ختمها بالخرطوم بوصفها الملاذ الوحيد وبجعبته ملفات ساخنة يظنها أوراقَ ضغط فاعلة ترى الخرطوم في زائرها رئيساً مأزوماً أعياه الطرق على أبواب الحلول التي لن تسطيع الولوج إليها إلا عبرها، ويقول تقرير نشرته وكالة جنوب السودان للأنباء إن حكومة الجنوب تمرُّ بمنعطف حرج بسبب المشاكل الاجتماعية الخطيرة المتمثلة في ضعف النظام التعليمي إن لم يكن غيابه التام وانعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي ينذر بوقوع مجاعة وشيكة وارتفاع نسبة الوفيات وسط الأطفال والأمهات والرضع وارتفاع نسبة استهلاك الكحول وسط الأطفال والقُصّر والزيادة المضطردة في أعداد المشردين والأطفال مجهولي الأبوين والحمل وسط المراهقات والعنف الجنسي والأسري وتلوث البيئة وضعف الخدمات وغيابها في كثير من مناطق الجنوب ويتسنم جنوب السودان قائمة الدول الأشد فقرًا في العالم الذي يعاني من شقة واسعة بين المسؤولين الذين أثروا عن طريق نهب الموارد والفساد والمواطن الذي هدت قواه الأمراض والمجاعة والفقر المستشري، والبطالة، والأمية، والصراعات داخل وبين القبائل، وسرقة الماشية، والثورات المسلحة. عليه لم يكن لسلفا كير خيار من أن يحمل ملفاته ويتجه للخرطوم التي طالما استضافته وشعبه استضافة الأم الرؤوم في الوقت الذي كانت سيوف الحروب تمزق أشلاءها وسلفا كير في زيارته الأولى للسودان بعد انفصال الجنوب بمعية وفد عالي المستوى مكلّف ومؤهل لمناقشة كل القضايا العالقة منذ اتفاقية السلام الشامل بما فيها قضايا الحدود والنفط والأمن والدفاع وغيرها يعلن أنه يسعى إلى حل سريع وجذري يمكِّن كلا الدولتين من السيطرة على اقتصادياتهما وكبح جماح الأسعار وفرض هيبة الدولة وبسط السلام وأنه سوف يسعى إلى علاقة مميزة مع السودان قوامها حسن الجوار الذي هو الضمان الوحيد للسلام في كلا البلدين، معتبرًا دعاة الحرب بالعدو المشترك الأمرالذي يفتح الباب لتساؤلات جمة أهمها هل يعلن سلفا كير تخليه عن مخالبه بالشمال والمتمثلة في الحركة الشعبية قطاع الشمال بعد أن ثبت تورّطه وحكومته في دعمهم؟ وما هي المكاسب التي ينوي سلفا كير الحصول عليها مقابل هذه التصريحات وهل سوف يفي بوعده أم يعود لعادته القديمة وتلدغ الخرطوم من جحره مرات ومرات؟