ما الذي سيقدِّمه السيد ثابو مبيكي رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، لحل الخلاف بين السودان وجنوب السودان، بعد قرار الخرطوم وقف عبور نفط دولة الجنوب، ووقف العمل باتفاق التعاون المشترك وتجميد الاتفاقيات التسع والمصفوفات وجدول تنفيذ الاتفاق الذي أُبرم منذ سبتمبر من العام الماضي؟ ماذا سيحمل السيد أمبيكي من مقترحات؟ ليس هناك شيء جديد يوجب طرح مبادرة أو أفكار محددة تسهم في تجاوز الخلاف.. كل شيء موجود في الاتفاق وفي تفاصيل الاتفاقيات الموقع عليها وشرحتها المصفوفات، وليس هناك أية مشكلة سوى أن حكومة دولة الجنوب لم تنفذ الاتفاقيات ولم تلتزم بها، خاصة اتفاق الترتيبات الأمنية الذي يوجب عليها وقف دعمها لمتمردي الجبهة الثورية والحركات المتمردة في دارفور وفك الارتباط مع قطاع الشمال في الحركة الشعبيَّة... ليس هناك ما يمكن طرحه من جديد، فعلى الآلية الإفريقية أن تطرح وتناقش الالتزامات وتتحقق من التنفيذ وتحث بشكل قاطع على تطبيق كامل الاتفاقية الأمنية والمصفوفة المخصَّصة لها، وتفعيل آليات المراقبة والتنفيذ وضبط الحدود والاستيثاق من أن جوبا جادة في القيام بما تمليه عليها نصوص الاتفاق... الخرطوم بالطبع لا حاجة لها، بالجولات الماكوكية والزيارات المتلاحقة لوفد السيد أمبيكي ما بين العاصمة السودانية وجوبا وأديس أبابا، ولا تريد الخرطوم فتح ملفات التباحث والتفاوض من جديد، ولا ترغب في تطويل حبال الزمن، فإن كان هناك تصوُّر واضح والتزام حقيقي ونهائي وتطبيق فعَّال للاتفاقيات السابقة التي أوقفتها الخرطوم بعد أن أنذرت وحذَّرت جوبا، فأهلاً وسهلاً... إن لم يكن هناك شيء.. فنرجو ألّا تضيع الوقت سدى في انتظار ما لا يأتي، وفي رجاء ما لا يكون! بالطبع لم تكشف الحكومة عن مقترحات محدَّدة قدمها لها السيد أمبيكي، ولا نظن أنها تدرس تصوراً شاملاً متكاملاً قدَّمه أو سيقدِّمه رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، لأنه لا يوجد أصلاً تجاوز للاتفاقية من طرف السودان أو تبايُن في نص من نصوص الاتفاق وتجاذُب في فهم بند من البنود، فنقطة الخلاف الرئيسية هي أن الاتفاق باتفاقياته ومصفوفاته لم يُنفَّذ من الأساس! فمنذ توقيع الاتفاقيات في سبتمبر من العام الماضي وأُردفت وأُتبعت بالمصفوفات حول الملف الأمني والنفط والترتيبات المالية ووضع مواطني البلدين، وتحديد المنطقة العازلة والتدابير بشأن الحدود والمناطق المتنازع عليها وأبيي.. لم تقم حكومة الجنوب بما تُمليه عليها الاتفاقيات المبرمة خاصة الاتفاقيَّة الأمنيَّة.. لم يعد هناك ما يمكن طرحُه وإعادة الحديث حوله من جديد، المطلوب هو أفعال لا أقوال، والتزامات لا تأويلات أو تفسيرات.. على الحكومة أن تكون واضحة في حديثها مع السيد أمبيكي أو حتى مع مبادرة رئيس الوزراء الإثيوبي، وكلاهما بذل جهداً مقدرًا ولا يزال في ترتيب أمر العلاقة بين السُّودان وجنوب السُّودان، فالوضع لا يحتمل مزيدًا من الكلام أو المماطلات أوالتلكؤ الذي صار ديدن حكومة دولة الجنوب في تعاملها مع هذه الاتفاقيات وتظن أن هناك تعاطفًا دوليًا وإقليميًا مع مواقفها ووضعها ودائمًا تمثل دور الضحيَّة والحمل الوديع في وقت تقطر الدماء من أنيابها كما الذئب اللئيم... لا نريد من الحكومة أن تصدِّق ما يُقال، فليس في كل مرة تسلم الجرّة، فكلما عاهدتنا جوبا، نكثت بوعدها ثم طفقت الآلية الإفريقية وقوى في الإقليم ودول كبرى، تبحث عن تبريرات لمواقف دولة الجنوب أو تلومها لوماً خفيفًا، تحث الخرطوم أو تضغط عليها لتتراجع من مواقف صحيحة... هذه المرَّة يجب أن يكون القرار حاسماً وحازماً وقاطعاً وقوياً يفهم منه السيد ثابو مبيكي، أن للصبر حدودًا وبلغ السيل الزبى ولا مجال للتعامل مع جوبا بحسن النوايا ومدّ اليد بيضاء من غير سوء..