إن أعظم تجربة يقدمها السودان في تاريخه المعاصر لحشد الهمم وتفعيل المجتمع وترقية الوجدان نحو معاني حماية الأوطان وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار وإعلاء قيم التضحية والفداء هي تجربة الدفاع الشعبي الذي خرج من رحم القوات المسلحة ليكون ذراعاً وسنداً لها يشاركها الدفاع عن مقدرات الأمة والذود عن حياض الوطن. لذلك ترتكز فلسفة الدفاع الشعبي على منهج المجاهدة والرباط والنفير، شعاره الجهاد لرفع راية الدين ونصرة الوطن والشهادة لنيل رضاء الله عز وجل، فتدافع الجميع للانخراط في صفوفه وخرجت الكتائب قوامها قيادات الدولة والطلاب والعمال والتجار وكل شرائح المجتمع بعد أن رأوا كيف أن الوطن مستهدف، وأن هنالك من يحاول تنكيس رايته فخرجوا عندما حشد الأعداء داخل وخارج الحدود كل إمكاناتهم لوأد مشروع دولة الفضيلة لتحل مكانها فوضى العلمانية والعمالة. فالله درهم من مجاهدين ما إن يسمعوا هيا للجهاد إلا وطاروا لها وشمروا سواعد الجد وتقدموا الصفوف تسوقهم الأشواق لمعاني الرباط والجهاد والاستشهاد لقد جعلوا الله غايتهم والرسول غدوتهم والجهاد سبيلهم والموت في سبيل الله أمانيهم. هم المجاهدون الذين قدموا خيارهم في معارك كانت ملاحم من البطولة والفداء يوم تمزقت الأشلاء وتقطعت الأجزاء وهم يفجرون دبابات العدو في الميل أربعين وخور انجليز وعند جبال سندرا وعلى جبال التاكا والرساي وفي كردفان بتلودي ولقاوة. هم ذاتهم المجاهدون في طلائع الدبابين الشهيد البطل علي عبد الفتاح والشهيد الأمة عبيد ختم والشهيد الورع أبو دجانة والشهيد الذاكر أحمد البشير الحسن والشهيد النطاس عوض عمر وبقية العقد الفريد من الأتقياء الأنقياء الأخيار. والدفاع الشعبي الذي نصب عريشًا للمجاهدين يظل يحتفظ برسالته الجهادية وبعبق الصدق عنده يلتقي عشاق المرابطة والمجاهدة وفيه تذوب الألقاب ويجتمع الأحباب هدفهم رفع الراية على سارية الوطن وتمكين الدين في حياة الأمة وإرساء دعائم الحق والعدل في البلاد، لهذا كان الدفاع الشعبي قلعة تكسرت عندها أحلام الأعداء في النيل من هذا السودان ورقمًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الحرب والسلام، أما النماذج المتميزة التي ظل الدفاع الشعبي يقدمها عبر مسيرته في استنفار القيادات وخروجهم إلى الخطوط الأمامية وأرواحهم فوق أكفهم فكانت مصدر دهشة للعالم فكيف لأمة يخرج قادتها للقتال والنزال أن تهزم فإنهم يطلبون الموت كما يطلب عدوهم الحياة لم تبهرهم بهارج السلطان عن ارتداء لأمة الحرب ودخول الخنادق فقد جسدوا كل معاني التجرد والإيثار والتواضع وصعد منهم شهداء عبر تلك المسيرة القاصدة. وكثير من قيادات الدولة خرجوا مغبرين أقدامهم مع المجاهدين ولم يعلم بهم أحد ففي المعارك الأخيرة في هجليج وأبو كرشولا رأينا كل القيادات كانت هنالك حتى تحقق النصر للقوات المسلحة والمجاهدين، وأود أن أمضي في سياحة جهادية مع أحد أهم المجاهدين من قيادات الصف الأول وهو المجاهد البروفيسور الزبير بشير طه والي ولاية الجزيرة وهو رجل يعشق الجهاد والرباط وحمل الكلاش وله حضور متميّز مع المجاهدين ما إن نادى منادي الجهاد والاستنفار إلا وتجده أول من يبلغ الخطوط الأمامية مجاهدًا بنفسه ورافعًا معنويات المجاهدين محرضًا على التقدم إلى الأمام تفيض عيناه من الدمع عندما تجيء التعليمات بإرجاعه، فهو تواق للحاق بركب الشهداء وأجمل اللحظات عنده عندما يشتد (الكوماج ويدور القصدير) وأفضل الأوقات لديه عند اتكاءات المجاهدين على ضفاف الخنادق له التحية ولكل مجاهدي السودان الذين أفرزوا هذا الأدب الجهادي العظيم.