عادت هذه الأيام أخبار زيارة الدكتور نافع للولايات المتحدة، حيث بحثت أمانة الشؤون الخارجيَّة بالمؤتمر الوطني أمر الزيارة مع القائم بالأعمال الأمريكي، جاء ذلك في أخبار الشبكة العنكبوتية!! لكن دعوة القائم بالأعمال لنافع فيها شيء من الغرابة كثير، وربما فيه نوع من الاستخفاف بالنظم البروتوكوليَّة وحتى بالمسؤول المدعو نفسه، فالدعوة لكبار المسؤولين تأتي من أقرانهم ودور القائم بالأعمال لا يتعدَّى دور من يقوم بتقديم الدعوة للمسؤول المعني، وهو في هذه الحالة يمثل دور المراسلة ولكن في حلة دبلوماسيَّة!! وما عهدنا المراسلة يلعب دور الداعي!! كل ما في الأمر أن ضجة ثارت حول تحرُّكات القائم بالأعمال الأمريكي داخل السُّودان ومقابلاته لزعماء القبائل والطرق الصوفية وغيرهم من الشخصيَّات العامَّة، دون رقيب أو حسيب وهو حين يفعل ذلك إنما يطبق سياسة خارجية جديدة ابتدعتها هيلاري كلينتون وتُسمَّى سياسة القوى الذكيَّة ويدخل في هذه القوى زعماء القبائل وزعماء الطوائف الدينية الصوفية ومنظمات المجتمع المدني!! وحتى يقطع القائم بالأعمال الأمريكي هذه الاحتجاجات، صرح بدعوة نافع لزيارة الولاياتالمتحدة، وهنا همدت الضجَّة، وأصبح خبر الدعوة هو الطاغي على كل الأخبار، ولعلَّ الكثيرين رقصوا سراً وعلانية فرحاً بهذه الدعوة الكاذبة، فقد كان الهدف منها صرف النظر عن تحركات القائم بالأعمال داخل السودان وبحرية يحسده عليها السودانيون أنفسهم، في حين أنَّ سفيرنا في واشنطون لا يتحرك إلا داخل قطر بمقدار خمسة وعشرين كيلو مترًا أي داخل واشنطن نفسها وقد تمثل هذه المسافة ما بين مسكنه ومقر السفارة!! ماذا تريد أمريكا من نافع؟! إن أمريكا ترسل مبعوثها إلى الخرطوم ومما يجدر ذكره أنه لا يجتمع مع رئيس البلاد، بل يجتمع مع من هو أدنى درجة، فما الذي يدعو أمريكا لدعوة نافع لزيارتها؟ وفي إطار سياستها تجاه السودان أوكلت أمريكا الأمر إلى ثابو أمبيكي فهو الذي يقوم بالدور الأمريكي وينفذ سياساتها، ورغم أنَّ أمريكا تُدير الأمر في السُّودان إلا أنها لا تريد أن تفي بالتزاماتها، والمعروف في مثل هذه الحالات أن يتقدم طرف بالتنازلات مقابل تقديم الطرف الآخر مساعدات مؤثرة وهذا ما لا تريد أمريكا تقديمه، فأقل ما يمكن تقديمه للسودان هو رفع العقوبات، حتى يستطيع السودان التعامل مع بقية الدول الأخرى حتى وإن لم تتعامل معه أمريكا، أمريكا ترفض حتى رفع العقوبات التي فرضها الرئيس وهذه أسهل عقوبات يمكن رفعها، وهذه العقوبات تُجدَّد سنوياً بواسطة الرئيس، أمَّا تلك التي صادق عليها الكنغرس فأقرب تاريخ لرفعها هو يوم المشهد العظيم!! أصبح السُّودان معزولاً عن العالم بسبب السياسات التي تفرضها أمريكا على السُّودان وبسبب انصياع النظام لتلك السياسات، إذا كانت هناك فرصة لرفع العقوبات فإن تلك الفرصة كانت اتفاقية نيفاشا ولكنها هي الأخرى تم التوقيع عليها بالضغوط لا على الدولة إنما على الأفراد وبذا خسر السُّودان سيادته على الجنوب وعلى مناطق أخرى متنازَع عليها، ولم يكسب رفع العقوبات. سياستنا الخارجية تعكس تماماً السياسية الداخلية، عزلة في الداخل والخارج، حيث إن الداخل وهو الأهم لا يُستفتى في القضايا المحورية، بل تُفرض على الداخل فرضًا كما تم فرضها من الخارج، تحويل ميدان تقسيم إلى منشأة أخرى أثار تركيا لمدة ثلاثة أسابيع، حتى إن الرئيس أوردغان اضطر إلى طرح الموضوع في استفتاء شعبي ليقول الشعب كلمته في ميدان في مدينة إسنطبول، فكيف يا ترى الحال في مسألة حساسة كتقسيم البلاد كما في حالة فصل الجنوب الذي يقود إلى تقسيمات أخرى تطول شرق وغرب البلاد؟! يبدو لدى النظام أن زيارة مسؤول كبير لأمريكا هي في حد ذاتها هدف، وقد زارها مسؤول سيادي كبير بدرجة وزير مركزي بجواز بريطاني!! الزيارة في حد ذاتها ليست هدفاً إنما وسيلة لتحقيق هدف، والزائر يملك أوراقاً للحوار ولا يذهب هكذا خالي اليدين والذهن، فالموقف التفاوضي القوي هو الذي يتحدَّث لا الشخص المفاوض، وفقدان الموقف التفاوضي القوي، يُعرِّض المفاوض للضغوط التي تأتي وبالاً على الأمَّة جمعاء!! أمريكا ليست بحاجة لتفاوض مسؤولاً سودانياً مهما بلغت درجتُه، حتى صغار مبعوثيها يرفضون لقاء رئيس البلاد ماذا ينتظر الآخرون الأقل شأناً من رئيس البلاد؟! وهي ليست بحاجة لمفاوض سوداني لتتفاوض معه فهذه مهمة يقوم بها أمبيكي نيابة عنها، ويُحرز تقدُّماً يوماً بعد آخر، وقد أوقفت إرسال المبعوث الأمريكي إلى الخرطوم بعد أن تقلَّد أمبيكي المهام تحت راية الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وبتوجيهات أمريكيَّة!! وأخيراً أرجو أن يفهم المؤتمر الوطني أن لأمريكا من يفاوض نيابة عنها وليست في حاجة لزيارة مسؤول سوداني ولو كان على أرفع مستوى فهي ليست في حاجة لذلك فقد نالت كل شيء بعد توقيع نيفاشا والتي ستقوم بالبقية كما نشهد هذه الأيام!!