قال البروفسير حسن الحاج علي عميد كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم في الحوار الذي أجرته معه «الإنتباهة» حول الراهن السياسي والاقتصادي إن قرار رئيس الجمهورية بإغلاق أنبوب النفط يعد وسيلة فعَّالة لممارسة الضغط على حكومة الجنوب التي اتّسم سلوكُها السياسي والأمني مع حكومة السُّودان بنقضها للمواثيق والاتفاقيات حيث صدر قرار من الرئيس ولم تُجدِ معه الوساطات الإقليميَّة والدوليَّة في إثناء السودان عن هذا القرار إلا بعد التزام جوبا بكل الاتفاقيات الأمنية ولاسيما وقف دعمها للمتمردين، وأشار بروف حسن إلى عجز جوبا عن فك ارتباطها بما يسمى قطاع الشمال نسبة لوجود أجنحة داخلية خارجة عن سيطرة سلفا كير نفسه، وتوقَّع البروف أن تكون زيارة رياك مشار المرتقبة تحمل في طياتها رسالة تأكيد من جوبا بالالتزام بكل الاتفاقيات التي وُقِّعت سابقاً ووقف دعم التمرد، وأشار في معرض حديثه إلى الفوائد التي قد تعود على السودان من إنشاء سد الألفية الإثيوبي والاستفادة منه في توليد الكهرباء... حول قضايا الراهن كان هذا الحوار، فإلى التفاصيل: بداية بروف حسن، قرار إغلاق أنبوب النفط إلى أي مدى تُعد هذه الخطوة ضرورية فى سياق الأحداث؟ في تقديري خطوة إغلاق أنبوب النفط في هذا التوقيت هي وسيلة فعالة لممارسة الضغط على حكومة الجنوب نسبة لعدم التزامها بتنفيذ الاتفاقات السابقة الموقعة مع الحكومة السودانية وظنت أن دعمها للحركات المسلحة لن تدركه الحكومة، وعلى الرغم من المصاعب التي سيجرُّها هذا القرار إلا أنه في اعتقادى نجح في دفع حكومة الجنوب نفسها والوسطاء الإقليميين خاصة الاتحاد الإفريقي إلى التحرك لجمع الطرفين مرة ثانية والتأكد من التزامهما بتنفيذ الاتفاقيات الأمنية. «مقاطعة»: بالرغم من كل ذلك نجد أن حكومة الجنوب دائماً في حالة عدم التزام بالاتفاقيات؟ في اعتقادي أن حكومة الجنوب فيها أجنحة داخلية خارج سيطرة الرئيس سلفا كير نفسه، وبالتالي ما يتم مع الحكومة السودانية يأتي واحدًا من الأجنحة يكون له علاقة قوية مع الحركة الشعبية قطاع الشمال أو مع بعض أفراد الجبهة الثورية ويستمر في الدعم نسبة لعدم التجانس الداخلي الكافي في حكومة الجنوب لذلك أدى هذا الشيء إلى عدم الالتزام. في رأيك، ما هي أهم الأجندات التي يحملها رياك مشار القادم للخرطوم في حقيبته والنتائج المرتقبة؟ أتوقع أن الهدف الرئيس من الزيارة هو تأكيد الالتزام بما تم الاتفاق عليه من الجانبين وأيضًا أتوقع أن يحمل مشار تأكيدًا من حكومة الجنوب بوقف دعمها للحركات المتمردة وربما نتيجة للقاءات التي ستتم في الخرطوم أن تكون هناك آلية لتأكد لعدم الدعم لأن القضية الأمنية الآن صارت «مربط الفرس». نعود ثانية للدعم الجنوبي للمتمردين.. جوبا عاجزة عن فك ارتباطها بالمتمردين السودانيين، من وجهة نظرك لماذا تبدو كذلك؟ في تقديري كما أسلفت هناك اتفاق بين مجموعة من الأجنحة داخل الحركة الشعبية تعتقد أنه لا بد لها من الاستمرار في دعمها لمجموعة قطاع الشمال والجبهة الثورية بناءً على الاتفاق الايدولوجي المبرم بينهما لتغيير الحكومة في الشمال أو إسقاطها بقوة السلاح وبالتالي استمرار هذا الدعم بنظرهم سيُفضي إلى نتيجة تغيير الحكومة في الشمال لأن مازال في جناح في تقديري الشخصي في الحركة الشعبية يسعى إلى شيء شبيه بمشروع السودان الجديد لكن هذا المشروع بعد الانفصال ما عاد مناسب وطرقه مرة أخرى في الساحة لأن مشروع السودان الجديد كان قائمًا على أساس سودان موحد إذا ما انتهى السودان الموحد وانفصل البلدين فليس هناك مبرر لطرح هذا المشروع مجدداً. لكن فكرة السودان الجديد دائماً قائمة على إعادة تغيير الهوية السودان ومازال هناك جناح في الحركة الشعبية يؤمن بإمكانية تحقيق هذا الهدف. مقاطعة: ما يثار حول مشروع السودان الجديد والسعي لتطبيقه في الشمال حتى بعد الانفصال هل هو بُعد اثني أم أيدولوجي وما الهدف منه؟ لا أستطيع الجزم بأنه بُعد اثني بقدر ما هو صراع آيدولوجي بصور أساسية من الشيء الذي وضح مثلاً من خلال الهجوم الأخير من الجبهة الثورية على كلٍّ من أم روابة وأبوكرشولا وضح جلياً أن هناك جانبًا عنصريًا لكن الصراع في بداياته لم يتضح أن له جانبًا عنصريًا بقدر ما هو أيدولوجي لمحاولة تغيير توجه وهُويَّة السودان. كيف ستتعامل الحكومة السودانية مع القرار «2046» المُلزم بالتفاوض مع قطاع الشمال وما الذي يترتب على رفض الحكومة؟ الحكومة أرسلت وفدًا كما نعلم للتفاوض مع قطاع الشمال لكن يكمن الخلاف حول أجندة التفاوض نفسها فمثلاً الحكومة ترى أن أجندة التفاوض قائمة على تنفيذ اتفاقية السلام والتركيز على كيفية تطبيق المشورة الشعبية على المنطقتين «النيل الأزرق وجنوب كردفان» والآن نرى أن قطاع الشمال يعتقد ويحمل أجندة لحل مشكلات كل السودان غير مقتصرة على المنطقتين فقط وهنا تكمن نقطة الخلاف. أما بصدد القرار فهو مُلزم للحكومة السودانية بالتفاوض مع قطاع الشمال وفي تقديري أن عددًا من القوى الإقليمية حتى الدولية غير مكترثة الآن بالقضية السودانية خاصة الدول الكبرى حيث نجدها مشغولة بقضايا أكثر الحاحاً الآن الوضع بسوريا وقضية الساحل الإفريقي والصين وتحركها وظهورها في الساحة الدولية ولا يفوتنا أن نأخذ في الاعتبار الدور الروسي المتنامي والرافض للدور الغربي بصورة أساسية في سوريا ومعارضته لأي استخدام من مجلس الأمن والأممالمتحدة في هذا الصدد بالتالي ما عادت الأممالمتحدة متجانسة كتنظيم ووحدة عالمية مثلما كان الحال في فترة التسعينيات أي تراجع دورها لأن «القوى الخمس الكبرى» غير متفقة على عدد من القضايا الرئيسية بالتالي ما عادت وسيلة مفضلة للدول الغربية وفي السابق كانت وسيلة مفضلة لكل من روسيا والصين وما كانت تُبدي أي تمنع أو رفض للخطط الغربية لكن وضح عكس ذلك؟ يا بروف: «سد الألفية» هل ثمة مخاطر أو مكاسب للسودان؟ على حسب متابعتي لتلك القضية وحديثي مع بعض المختصين بهذا الشأن بصورة أساسية عن قيام هذا السد الذي يترتب عليه مصالح كبيرة بالنسبة للسودان ولذلك عبر توفير المياه بصورة منتظمة على مدار العام ويقلل كثيرًا من مخاطر الفيضانات الذي يهدد عددًا كبيرًا من القرى السودانية ويحمي جزءًا من الطمي إضافة إلى توفير الكهرباء من إثيوبيا للسودان خاصة أن الربط الكهربائي الآن يتسارع بين إثيوبيا والسودان لذلك أرى أن إيجابياته أكثر من السلبيات وليس هناك أي مخاطر على السودان تحديداً ودرست هذا الأمر بعد الحملة الأخيرة خاصة للإخوة في مصر وتخوفهم من إنشاء هذا السد وما يترتب عليه. «مقاطعة»: هل بالضرورة أن يُساير السودان الموقف المصري؟ ليس بالضوروة أن يساير السودان مصر لكن في هذا الزمن نجد أن كل دولة تحاول أن تسعى وترى أين مصلحتها، وفي الوقت نفسه نحن وكذلك الإثيوبيين نسعى ونحاول في وجود أي ضرر قد يصيب المصريين وهذا ما أكدته إثيوبيا لأن الهدف الأساسي من السد هو التوليد الكهربائي. بتقديري إذا جلست الأطراف الثلاثة للحديث والتحاور سيصلون إلى نتيجة مُرضية بدلاً من التصعيد الإعلامي ودخول أطراف غير مختصين في الأمر ومحاولة الاستقطاب والتهييج ليس به أي فائدة لجميع الأطراف. زيارة الرئيس المرتقبة للقاهرة في يوليو «هل من تعليقك على توقيتها وأجندتها؟ هناك قضايا كثيرة أتوقع أن تُثار من خلال تلك الزيارة أهمها قضية «سد الألفية» وأيضاً العلاقة بين البلدين خاصة وقد بدت العلاقات الاقتصادية وكيف تتم تقوية العلاقة بين البلدين خاصة فيما يتعلق هذه الأيام بالمشكلات الاقتصادية لديها، وواحدة من السبل لتجاوزها هو تقوية علاقاتها مع السودان وفتح العلاقات الاقتصادية وكيفية تطويرها وبه مصلحة للطرفين وهناك أيضًا قضايا إقليمية سابقة وإشارة لربط وتقوية العلاقة بين السودان وليبيا ومصر ونتوقع أن يتم تناول مجمل هذه القضايا في الزيارة المرتقبة. قضية أبيي كانت وما زالت نقطة خلاف بين البلدين ماذا سيترتب على الاستفتاء المزمع عقده في أكتوبر القادم وهل تعتقد أن هناك ضغوطًا خارجية تمت ممارستها؟ بالطبع أن حكومة الجنوب ومعها حلفاؤها وبعض القوى الخارجية دائمًا في محاولة إجراء استفتاء أبيي في أكتوبر لكن الحكومة السودانية ترى أن ترتيبات الاستفتاء نفسها لم تكتمل ولم يحن وقتها بعد وينبغي أن يجري الاستعداد والترتيب أولاً للاستفتاء قبل انعقاده ومحاولة استعجال الاستفتاء يبدو وكأنه محاولة لاستباق النتائج والاستفادة من ظروف خاصة فيما يتعلق بعملية اغتيال ناظر دينكا نوق «السلطان كوال دينق» ومحاولة استغلالها في فرض نتيجة معينة للاستفتاء. بم تفسر ما صاحب قضية أبيي من تدويل في كل الأصعدة؟ واضح من خلال الضغوط خاصة الأمريكية محاولة التسريع وأيضًا الضغط من الأممالمتحدة نجدها تسير في نفس الاتجاه. ماذاسيحدث في حالة إقصاء المسيرية من التصويت في استفتاء اكتوبر؟ إقصاء المسيرية من التصويت نتائجه تأتي لصالح دولة الجنوب وهذا يعني أن النتيجة قد حُسمت سلفاً قبل الاستفتاء وحرمان جزء مهم من سكان المنطقة قد يؤدي إلى أزمة جديدة قد لا تُحمد عواقبها. التفجيرات الأخيرة لخط النفط الشمالي برأيك أي رسالة يريد المتمردون إرسالها؟ هناك رسالتان أراد المتمردون إرسالهما واحدة منهما هي: محاولة زيادة الضغوط الاقتصادية على الحكومة السودانية في اعتقاد منهم بأن خروج واحد من الآبار حتمًا سيضعف إرادة الحكومة السودانية ويزيد من الضغط ومحاولة إيجاد الحكومة التعويض، إما بالاستيراد أو غيره، أي بمعنى أن الفكرة النهائية زيادة الضغوط الاقتصادية على الحكومة، وأيضًا الرسالة الثانية هي: رسالة عسكرية بمعنى «اضرب واهرب» والواضح من تلك الرسالة أن تلك التفجيرات لم تتم في خطوط الأنابيب الناقلة للنفط الجنوبي وهذا به إشارة واضحة من حركة العدل والمساواة أنهم حلفاء للجنوبيين، لذلك لن نضر أو نمس ممتلكات الجنوب بل نضر ونخرب ممتلكات الشمال بلدنا الذي ننتمي له، هؤلاء الحلفاء الذين ندين لهم بالمعدات العسكرية والدعم السياسي لذلك لن نحدث تفجيرات على خطوطهم، وهذا تأكيد واضح للتحالف بين حركة العدل والمساواة والحركة الشعبية. ما مدى تأثير تلك التفجير على الاقتصاد السوداني؟ بالتأكيد الفكرة الأساسية من التفجيرات هي محاولة زيادة الضغوطات الاقتصادية والمشقة على الحكومة السودانية بإخراج جزء من بترول السودان الشمالي ومن المؤكد أن هذا التفجير له مردود سالب وتأثير على الحالة الاقتصادية الراهنة خاصة والعكس الوضع يسوء أكثر من ذي قبل. بالرغم من الغلاء والمشقة اقتصادية ومن المؤكد خروج البترول الذي كان يمكن أن يؤدي إلى تقليل الأزمة الاقتصادية الذي يساعد على الانفراج وتحسين قيمة العملة والوطنية وإن لم يحدث كل ذلك يظل استمرار المعاناة والظرف الاقتصادي بالنسبة للمواطنين. هل تعتقد أن مدة «60» يومًا المحددة لانسياب النفط الجنوبي ستُعيد دولة الجنوب إلى رشدها وتلتزم بذلك؟ أنا متفائل جدًا لأن زيارة مشار المرتقبة أتوقع أن تخرج بنتائج إيجابية لأن دولة الجنوب ضاقت ذرعاً بالأزمة الاقتصادية الطاحنة وهم في أمس الحاجة لاستئناف ضخ النفط لحلحلة مشكلاتهم الاقتصادية وأيضًا هناك ضغوط دولية وإقليمية كبيرة خاصة الدول الغربية خاصة أن الولاياتالمتحدة مدركة للآثار السلبية على للجنوب بسبب وقف ضخ النفط لذا بعد الإعلان مباشرة في اليوم التالي اجتمع سفراء غربيون على رأسهم السفيرة الأمريكية في الجنوب وسفير النرويج اجتمعوا برياك مشار وحثهم على ضرورة الوصول إلى اتفاق مع الحكومة في الشمال بالتالي نجد الضغوط الداخلية والخارجية والإقليمية والاتحاد الإفريقي وثامبو أمبيكي بدأ في التحرك لاحتواء القضية وفي النهاية كل هذه التحركات تثمر في حل القضايا الأمنية ومن بعده سيستمر ضخ النفط..