زيارة رياك مشار نائب رئيس دولة الجنوب سلفا كير التي كان متوقعاً أن تجري بحر هذا الأسبوع، تقاذفتها الكثير من التكهنات, وأحاطت بها سحابة كثيفة من الضبابية والقتامة ، ذلك بسبب فتور العلاقة بين رئيس حكومة الجنوب ونائبه التي اتسمت في الآونة الأخيرة بكثير من التوترات والريبة والشك ، توترات ارتفع سقفها حينما نافس رياك رئيسه باعتزامه الترشح لرئاسة الحركة الشعبية ورئاسة الحكومة.. مشار الذي يتخذ مواقف معتدلة تجاه الشمال أو قل التعاطي مع الملفات الشائكة بين دولتي السودان بمرونة وعقلانية ، حاول أن يخطو خطوات نحو نزع فتيل الأزمة التي نشبت أخيراً بين الدولتين حينما اعتدت ما يسمى الجبهة الثورية على مناطق أبوكرشولا وأم روابة بدعم من الجنوب، اتخذت على إثره حكومة السودان قراراً بوقف تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها .. محاولة مشار لإطفاء ذاك الحريق الذي اشتعل بين الدولتين فيما يبدو واجهتها بعض الصعاب، فأجل الزيارة المزمع أن تتم على مستوى عال في التعامل مع التطورات الأخيرة بشأن إغلاق أنبوب النفط قد تجاوزه الزمن، ولم تخطر جوباالخرطوم بالزمن المحدد بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية التي أكدت أنها لم تتلق اتصالاً رسمياً بهذا الخصوص، بينما تتعذر حكومة الجنوب بأنها في انتظار ما يفيد موافقة الحكومة السودانية بالموافقة على الزيارة .. هذه المواقف الضبابية التي تتعامل بها جوبا مع الخرطوم تجاه القضايا العالقة يشير إلى أنها لازالت تحت رهن إمرة و إشارة المجتمع الدولي الذي ظل ينفذ أجندته وخططه الرامية للاحتفاظ بالجنوب ككرت رابح يضغط به على الشمال حتى يحقق أهدافه الواضحة، وهي إزالة النظام الحالي الذي ظل عصيا على الرضوخ والاستسلام .. لذا حاول هؤلاء النفاذ الى أهدافهم باستخدام رياك مشار وهم يعتقدون انه الأكثر تأثيرا على الخرطوم والأقرب لها بمواقفه الأقل تشددا، فكان الظن ان الخرطوم سترحب بزيارته لذا دفعت بتسريبات تشير الى قرار مجلس الوزارء بالجنوب بتكوين لجنة عليا برئاسة مشار للقاء المسئولين بالخرطوم بغرض امتصاص التوترات التى حدثت أخيرا ، ولكن حينما لم (يلمسوا) تجاوبا من الخرطوم تجاه الزيارة لم يخطروا الحكومة السودانية رسميا بميقات زيارة رياك .. هذه المواقف المتضاربة و(المتذبذبة) التى تتخذها حكومة الجنوب، جعلت حكومة السودان على ما يبدو تقبل بمقترحات ثامبو أمبيكى رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى التى تقدم بها لتجاوز الأزمة مع جوبا ، فهذه المقترحات ان صدقت النوايا ستسهم بشكل فاعل فى نزع فتيل الازمة ، لانها سترغم دولة الجنوب على فك الارتباط مع قطاع الشمال والحركات المتمردة الاخرى إذ اشار المقترح الى التأكد من حقيقة الدعم والإيواء من قبل أي طرف المتمردين المسلحين للآخر على ان تقدم أية حكومة كل المعلومات اللازمة فى هذا الصدد للآلية رفيعة المستوى .. واحسب ان حكومة السودان لديها المعلومات الكافية لتورط جوبا في دعم قطاع الشمال والتى مازالت الفرقتان التاسعة والعاشرة يرتبطان بها ولا زالت حكومة الجنوب تأوي الحركات المتمردة وتنطلق منها عملياتها العسكرية التى توجهها لمناطق بدارفور وجنوب كردفان وما زالت تشن هجوما عليها آخرها الهجوم على مدينة كادقلى قبل ايام قلائل .. ومن المقترحات التى تقدم بها أمبيكى تكوين فريق استشاري لتحديد خط أساس للمنطقة منزوعة السلاح على الأرض ، وهذا يضمن للسودان عدم تعدى دولة الجنوب على أراضيه وربما يرغم حكومة الجنوب على الانسحاب من المناطق الست التي تقع شمال الحدود بين الدولتين التى اعتدت عليها دولة الجنوب ، وهذا ما يجعل السودان يعيد أراضيه المسلوبة ويمنع تعدي حكومة الجنوب على أراضيه الأخرى .. هذه المكتسبات التي سيجنيها السودان ربما جعلت الحكومة السودانية تقبل بمقترحات ثامبو أمبيكى ، ولكن المهم في الأمر ان تُنفذ هذه المقترحات (بعدالة ) دون انحياز لدولة الجنوب وأن لا تقدم حكومة السودان أي تنازل أو ترضخ لأي ضغوط تمارس عليها .. فحسب حيثيات المقترحات ان التنفيذ (تحرسه) آلية متابعة يشرف عليها رئيس الايقاد ومفوضية الاتحاد الافريقى اللذان سيتعاملان بحسم مع المعلومات التى يقدمها كل طرف على وجه السرعة ، خاصة فيما يخص الدعم والإيواء للمتمردين كما ستتابع بدقة مسألة الحدود والمنطقة منزوعة السلاح لمنع تعدى اية دولة على الاخرى ، وستطلع مجلس السلم والامن الافريقى ومجلس الامن بالنتائج ، قبل ان يطلع الطرفان على هذه النتائج .. هذه المقترحات ان تم تنفيذها بحسب ما اُعلن عنه سيجنى السودان الكثير من المكاسب اولا فى جانب قطع الطريق امام دولة الجنوب من دعم الحركات المتمردة وايوائها وإلزامها بفك الارتباط مع قطاع الشمال، فتستطيع حكومة السودان ان تحقق انتصارا على الصعيد العسكرى بطرد التمرد بالمناطق التى يحتلها بجنوب كردفان وببعض المناطق بدارفور .. ثانيا: تستطيع الحكومة السودانية ان تحقق استقرارا سياسيا فحينما تهزم الحركات المسلحة ستنكسر شوكة احزاب المعارضة التى تعتمد كليا على نشاط تلك الحركات المتمردة كما وضح ذلك فى خطتها التى اسمتها خطة المائة يوم لاسقاط النظام وهى تعتمد فى ذلك على مساندة ما يسمى الجبهة الثورية لها .. ثالثا: يمكن ان تحقق استقرارا اقتصاديا..فحينما تكف دولة الجنوب عن دعم الحركات المسلحة ستوافق الحكومة السودانية على الاستمرار فى تصدير نفط الجنوب الذى سيجلب لها الكثير من العملة الصعبة ستدعم به خزينة الدولة مما يسهم بقدر فاعل فى خفض معدل التضخم وارتفاع سعر الجنيه السودانى مقابل الدولار ومن ثم استقرار الاسعار وزيادة معدلات التنمية .. نتمنى ان لا تكون مقترحات امبيكى هى فقط لإضعاف السودان وتقوية دولة الجنوب التي يعمل لها الحلفاء الغربيون .. نأمل أن (يعدل) ثامبو بين الدولتين هذه المرة