أصبحت الأهداف الواضحة للمعارضة لا تختلف عن الهدف الإستراتيجي لدول العداء والاستكبار، وكلاهما لا يستهدفان إصلاحاً ولا يبغيان تطوراً، أو ينزعان نحو مصلحة للوطن والمواطنين، وكثيراً ما نسمع عن شعارات ليس من بينها ما يشي بأن الذين اتفقوا على إسقاط النظام سواء كانوا من الداخل المعارض أو الخارج المعادي لتوجهات الدولة والمجتمع، يودون إنشاء مشروع أو تنمية اقتصادية أو فض اشتباك، بقدر ما يشعر المرء بأن الذي يجمع بين عداء الخارج، ومعارضة الداخل هو كيف يمكن أن تشتعل النيران، وتحترق البلاد، ويسود القلق ويطغى الاضطراب، ومن ثم يتحقق الهدف فيسقط النظام. والذين قرروا إسقاط النظام في فترة حددوا مداها بمائة يوم، رجعوا عن ذلك بقولهم بأن تلك الفترة، هي للترتيب، ووضع الإجراءات وليست فترة حُدِّدت إلا للبدء ولم تحسم يوم الختام ليتجندل النظام، ويخر صريعاً لافظاً للأنفاس. ولا شك بأن رئيس قوى الإجماع الوطني من تمنياته ألا يستمر النظام ليوم واحد، دعك عن مائة يوم، وهذا الأمر يتضح جلياً بالنظر إلى تصريحاته، وما يبدو عليه من غضب يستشيط في دواخله تعبر عنه عبارات السخط التي يصف بها النظام، وهي مواقف لا تمليها أفكار سياسية، بقدر ما يدفع نحوها الحقد القديم، والفكر الذي لا يلتقي مع فكر الإنقاذ، بل هو الكراهية التي لا تتحول ولا تتبدل، وإن استخدم لإزالتها عسلاً عن طريق نظام يتبع في سقاية الزرع، يسمى «الري بالرش والتنقيط». والمائة يوم التي تتبجح المعارضة بها، ولا تستحي من كشف ما تنوي على تحقيقه من خلالها، قد بدأت منذ ما يقارب الأسبوع، بمعنى أنها أصبحت تتناقص، ولا ينفع المعارضة بعدئذٍ أن تدَّعي أنها قد قُيدت لإبداء رأيها أو حرمت من إقامة ندواتها، أو سحب الرقيب لها تصريحاً، تمهد من خلاله أن تؤتي الخطة أُكُلها باكتمال المائة يوم حسب الذي خطط له ورسمه المهندسون، المتخصصون في إسقاط النظام وفقاً لما يرونه من تقديرات وتنبؤات، ولكن فيما يبدو أن هذا التقدير لم يحالفه بُعد النظر، ولم يعتمد على أسس فيما لو أسقط على تقديرات شبيهة، وترتيبات مماثلة كانت تضطلع بها هذه المعارضة، فاضحت جميعاً من قبيل الترهات والنفخات الكاذبة. وإذا سلمنا جدلاً بأن المائة يوم، كافية لإسقاط النظام، فإن المعارضة، مطالبة بإثبات ذلك للكشف عن جماهيرها، ومن ينحازون إليها بشكل مقنع، إذ لا يُعقل إسقاط نظام يتمتع بعضوية تقدر بالملايين، ولا يجوز منطقاً أن يملأ كمال عمر أو فاروق أبو عيسى أفواههما بمثل تلك العبارات، وهما لا يملكان رصيداً تاريخياً ولا قدراً من التأييد والانحياز وفرته لهما ثقة، تجعل منهما جديرين بقيادة أمة، وهم يعلمون بأنها لا تضع آمالها في يد من عُرف بين النَّاس بأنه يدعو للتدمير ولا علاقة له بالتعمير. ولم نسمع مما يسمى قوى تحالف الإجماع الوطني يوماً بأنهم ساهموا برؤية إيجابية لحل مشكلة الاقتصاد، أو تطوير العمل السياسي، وتصب معظم تصريحات ومواقف قيادات هذا التحالف في اتجاه إزالة البناء، وهدم ما أُقيمت على قواعده من إنشاءات، ليبقى جميع أهل السودان في شمال وجنوب كردفان في عداد الجوعى والعطشى والعراة. والمائة يوم التي حددها التحالف لإسقاط النظام، ستمر مروراً سريعاً، وسيقف الشعب السوداني على حقيقة أن من يدعون إلى ذلك، ويخططون لحدوثه، سيرحّلون المائة يوم إلى مائة يوم أخرى، بل قد تصبح مائة سنة، وسينتظر الشعب السوداني قيادات جديدة لهذا التحالف، بعد أن ترحل قياداته تلك، ويصبح معظمهم من سكان القبور. ومع أن عملية إسقاط النظام، ليست هدفاً مرفوضاً، خاصة إذا كان الإسقاط سلساً، ونواياه طاهرة، غير أنه يصبح بالشكل الذي يراه فاروق أبوعيسى وكمال عمر أمراً مرفوضاً، لأن مقياس العدالة والإنصاف، ألا يكون الإسقاط حلاً لمن تلاحقهم في جميع ممارساتهم علامات السقوط، كما لو أن من يسقط في عين الجماهير لا يسرُّه إلا أن يلحق الفشل بالجميع ليتساوى الكل، ولا يسهل التمييز بين سقوط وسقوط. ويذكرني ذلك بمن أكل الحقدُ قلبَه، وكان إصراره على العمل لتشويه صورة الأنقياء والأطهار، ليصبح الكل سواسية في رداءة الطبع، وسوء الخلق، ودرجات الزيغ والانحراف.