{ قبل أن أتحدّث عن المادة 150 من الدستور المصري التي تتحدّث عن إجراء استفتاء على بقاء رئيس أصلاً هو منتخب إذا واجه بعد الانتخابات ما يواجهه الآن الرئيس المنتخب مرسي دعونا نتساءل: هل نفس هذه الأسباب والذرائع التي وقفت وراء تحريك المعارضين للرئيس مرسي، كان يمكن أن تستخدم في تحريك الشارع ضد رئيس منتخب ليس من الإسلاميين بعد عام واحد من تسلمه السلطة؟! وحتى إذا جاء (مرسي) إلى قصر الحكم بعصا موسى وقام بحل كل مشكلة مصرية حتى الزلازل التي تأتي من حين إلى آخر وحتى ولو نجح في إلغاء إنشاء سد النهضة الإثيوبي هل كان سيسلم من أعداء الإسلاميين في مصر؟! أليس شعار الذين يحتشدون الآن في ميدان التحرير شعارهم غير المعلن هو (علماني يجوِّعنا ولا إسلامي يشبعنا)؟!. إن الحشود في ميدان التحرير تحتفل ببيان القوات المسلحة المصرية وهي كما يبدو تفهمه خطأ؛ لأن ما جاء فيه لم يشِر إلى تقويض النظام الديمقراطي كما حدث من قبل في الجزائر وتركيا وفلسطين ضد رؤساء الحكومات المنتخبين وهم من الإسلاميين وإن كان البيان يتسم بشيء من التناقض، فهو يقول إن القوات المسلحة لن تكون طرفاً في دائرة السياسة والحكم، وفي نفس الوقت يقول إن القوات المسلحة تعيد وتكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب وتمهل الجميع 48 ساعة كفرصة أخيرة لتحمّل أعباء الظرف التاريخي. هذا التناقض يمكن أن يكون تنفيساً لاحتقانات الشارع حتى لا يتطوّر الأمر إلى احتكاك حشود المؤيدين للرئيس المنتخب لحشود المعارضين له خارج الشرعية البرلمانية. والملاحظ أن بيان الجيش المصري قد اختزل كل الشعب المصري في حشود المعارضين الذين يأخذهم التوجس من حكم الإسلاميين حتى ولو كان منتخباً. وينظرون إليه بأنه هادم اللذات المحرّمة، ولذلك ليس غريباً أن يلتقي المعارضون الذين كانوا جزءًا من عناصر ثورة 25 يناير بفلول نظام مبارك الذي أطاحته هذه الثورة يلتقيان في ميدان التحرير لإسقاط حكومة منتخبة ديمقراطياً لولاية مدتها محددة وليس أكثر من ثلاثين عاماً. وهؤلاء المعارضون المزدوجون إذا خُيروا بين حكم منتخب على رأسه عضو بجماعة المسلمين وبناء سد النهضة يبدو أنهم سيختاروا بناء السد حتى ولو خصم نصف حصة مصر من المياه وليس خمسة مليار متر مكعب فقط. وإذا كان سد النهضة حسب الدراسة البسيطة التي أجريت سيوفر للسودان 20 مليون دولار سنوياً هي تكلفة تنظيف السدود من الطمي، فإن الاستقرار الديمقراطي في مصر سيجعلها دائماً في حالة انتباه لكل ما تتضرَّر منه جراء بناء ذاك السد الإثيوبي ويقول بعض المراقبين المصريين إن إثيوبيا استقلت حالة عدم الاستقرار في مصر أيام الثورة عام 2011م وبدأت بخطوة كبيرة في مشروع تنفيذ السد دون لقاءات مع القاهرة سابقة لبنائه وهي حيلة قوية تتمسك بها أديس أبابا. الآن مصر إذا كانت مرشحة لانفجار أسوأ من انفجار ثورة 25 يناير فإن الفرصة أمام إثيوبيا أكبر لتبدأ في تنفيذ بقية السدود المقترحة بأموال خارجية دون الالتفات إلى مصر وحجتها أنها تشهد أوضاعًا أمنية لا تسمح بالرجوع إليها. وربما تكون المؤامرة هي نسف الاستقرار في مصر بذريعة إسقاط حكم الإسلاميين لتتحقق مصالح أجنبية وصهيونية في هذا المناخ.