أمين الإعلام بالجالية السودانية بمدينة مكةالمكرمة الموت حق ونقاد يختار الجياد، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إننا لله وإنا إليه راجعون)، ولأننا بشر نحزن ونفرح، نجزع ونصبر وفي لحظة الحزن تنسرب دموع وآهات ومن بين المآقي تطفر دمعة حرى، حائرة ولأن الفقيد هو الشيخ والوزير، ففي الأولى المهابة والوقار والإيثار، وفي الثانية السلطة، الدنيا والدن، بريق المال وسلطنة الدن، إلا المتقين؛ ولأن الوزير يستصحب تقوى الشيخ وقيم العمد، كبير القبيلة، أحبّه الجميع إلا من به لمم، وهو الضابط الإداري الفذ ومن الرعيل الأول أصفياء الزمن الجميل دفعة، الخبير الإداري فيصل عبد المجيد متعه الله بالصحة والعافية ومن عجائب الأقدار، أن كانت رحلته العملية تطوافًا بأربعة أركان السودان شمالاً وغربًا وشرقًا وواسطة العقد، الجزيرة المروية التي تنوم في وداعة بين نحر وسحر السودان، تنقل محافظًا ووزيرًا ونائب تشريعي ما بين الحصاحيصا ومدني، شندي ونيالا ومسقط رأسه كسلا، آخر المطاف المجلس التشريعي ذروة السنام، وما شهادة الكاتب الصحفي الكبير الحلاوي إلا حق أُريد به حق؛ لأنه لا يعرف أقدار الرجال إلا الرجال، ونحن في الجالية السودانية بمدينة مكةالمكرمة، عرفناه عن قرب حين أتى ملبياً ومعتمرًا وكأنه أراد أن يوقع في قلوب المهاجر والمنافي قصيدة حب رجل كبير بتقواه وخلقه وترفعه، خرج من الاستيزار ولم يأخذ معه إلا أغراضه الشخصية، لم يستغل منصبًا ولا جاهًا ولا سلطانًا، لم يمتلك بيتًا ولا سيارة ولا عرضًا من أعراض الدنيا وهو محافظ ووزير تسبقه نظافة يده أينما تقلد عملاً عامًا في شندي والحصاحيصا ومدني نيالا وكثير من المدن والعواصم، وأدهشنا بشفافيته، فهو خيار من خيار، وشقيقه الأب الروحي لأبناء كسلا وقطب الجالية السودانية بمهبط الوحي شيخ العرب/ عبد المنعم الهداب، يتقدم الصفوف، مبادرًا بالعطاء ما انفتح باب للخير إلا وسبقت يده بالعطاء مقدمًا الدعم تلو الدعم لمن ابتلي بمرض، يغيث أرملة ويواسي من فقد عزيزًا ومعه كوكبة من أهل الخير الأخيار، وحينما كرمت الجالية بمكةالمكرمة الراحل، الشيخ الوزير/ علي الهداب، تحدث حديث المخبتين الأنقياء الأتقياء، كان حديثًا في حب السودان وأهل السودان ولم يتكلم عن نفسه قط كعادة أهل الدثار الذين يتدثرون بما ليس فيهم لكنه من قبيلة الإيثار تكلم وأفاض في وصف أهل الجزيرة وخيرهم الذي عم ويعم السودان كله قطنًا ووعدًا، كرم وسماحة سمت، تقابة ونار قرآن، تغزل في حب أهل غرب السودان و(نيالا البحير الكلهم خير) أهل المروءات والطيبة، وأهل كسلا وما أدراك ما أهل كسلا، ويستصحب درر الراحل عمر الحاج موسى وهو يتبتل في وصف كسلا وأهل كسلا ويقول (جبال التاكا؛ حلية كسلا وعقدها، والمطل عليها من علٍ من الطائرة يخالها لكسلا كنهود الحسناء للحسناء، مشرئبة للحراسة، عالية كأنها تُرضِع القمر. والقاش؛ وقد لفَّ بالساعد خَصْرَ كسلا، عفيفاً عنيفاً، زرع أهلي على فخذيه حدائق غلبًا، وفاكهةً وأبا، متاعًا لهم ولأنعامهم. وأهل كسلا، رجالها؛ سماحتهم غيث، ونجدتهم غوث، كلامهم كله ظريف، كأنه يضحك، حديثهم كله عفيف، كأنهم يغسلونه قبل الحديث به. ونساؤها وبناتها؛ يستقبلن الضيف بوجه نونة غريقة بالسرور، يلبسن الثوب، والثوب في كسلا يتثاءب عند الخصر، ما اقترب منهن الغريب، إلا وجفلت العيون، واحتمت بالأهداب، واعتصمت بالمعاصم، حياءً وخفراً، يزدن في بهجة كسلا الفاتحة صدرها أبداً لكل زائر. ونحن نضيف، آل الهداب، ما عرفتهم إلا وكنت غريقًا في حبهم وختام المسك، تكلم عن شندي وأهل شندي بما لم يقله عكير الدامر وعظيمة الحرائر/ بنونة بت المك وقال إن أردتم أن تجمعوا صفات كل أهل السودان عالي المقام فاضربوا أكباد الإبل وأنيخوا رواحلكم بأرض شندي أرض ملوك دار جعل فهي الملاذ والشامة التي تزين خد السودان، آل الهداب، إن حزننا سيظل مجللاً بالسواد لزمن طويل وأن فقد الشيخ الوزير/ علي الهداب سيفتت في عضد الأمة السودانية؛ لأن فقده فقد أمة، يوهن الحيوية العامة لكننا نستصحب قيمه وننهض من بين الرماد كطائر الفينيق الأسطوري لنواصل مسيرة العطاء ونفني في عشق حب بلد عظيم اسمه السودان، أبو محمد نرفع أكفنا بالضراعة أن يكون مثواك كما اخترت جنات عرضها السموات والأرض ولمثل هذا فليعمل العاملون والعزاء موصول لأشقائه وشقيقاته ولمحبيه وهم كثر ولعار في فضله، ولمحمد الهداب نقول، الآن تقدم الصفوف ولا تجعل الراية تسقط، وللشيخ الجليل عبد المنعم الهداب نقول (انكسر المرق ونرجو ألا يتشتت الرصاص؛ لأنك شعبة من نور وإيمان وبحر عطاء دفاق) الموت يقتل ثائرًا والأرض تنبت ألف ثائر، يا كبرياء الجرح، لو متنا، لحاربت المقابر (إنا لله وإنا إليه راجعون).