من نعم الله على منطقة سودري بشمال كردفان أن سهولها ووديانها التي كانت تخضر موسميًا لإنتاج الذرة والدخن والفول وبقية المحصولات الأخرى حينما يكون الخريف ناجحًا وسماواتها دامعة لكنها باتت الآن تنتج ذهبًا من باطن أرضها ألهم كثيرًا من شباب المنطقة وتجارها لممارسة النشاط التعديني فسال لعاب السلطات المركزية والمحلية وفتحت خزائنها ومواعينها لحصاد عائدات الذهب من المنقبين والمتاجرين. حيث أصبح البحث عن الذهب ذا جدوى اقتصادية خاصة بعد أن ظهرت الأجهزة الحديثة للتعدين السطحي، فاتجهت مجموعة من الشركات الاستثمارية لتوقيع اتفاقيات للتنقيب عن الذهب مع وزارة المعادن الاتحادية في خسمة مربعات بشمال كردفان هي: (33) الجمام، و(34) العرجة، و(35) أبو فروع و(37) الحقرة و(38) أبوزعيمة، إضافة إلى الأعداد الكبيرة للعاملين في مجال التعدين التقليدي بالمنطقة. وكان وزير الدولة السابق بوزارة التعدين عبد الواحد يوسف أكد في إفادات صحفية سابقة له أن الذهب يتركز في المناطق الشمالية لولاية شمال كردفان وبالأخص في محليتي سودري وحمرة الشيخ. وأشار إلى أن شمال كردفان تعتبر إحدى ولايات الذهب بالسودان حيث تم اكتشاف هذا المعدن في مربعات محدودة، لكن لا يزال الاستكشاف والبحث جارياً في مناطق أخرى منها المناطق الشمالية المنخفضة. وأكد في ذات الوقت أن التنقيب استوعب عمالة كبيرة وأصبح أثره واضحاً ومشاهداً على دخل الأسر، حيث أسهم كثيرًا في الاستقرار وتغيرت حياة معظم المواطنين وبحسب الوزير فإن التعدين بشمال كردفان أصبح يدر دخلاً كبيراً للمحليات من خلال المناشط المحلية الأخرى، رغم أن ما يقوم به الأهالي هناك يعتبر سطحياً، ولا علاقة له بالمناجم الحقيقية للمعادن الأخرى كالنحاس والفضة، كما أن هنالك شواهد لأحجار كريمة طبيعية. (الإنتباهة) حرصت على أن تقف على حقيقة إنتاج الذهب بسودري وعن حقيقة الإيرادات التي تجنيها السلطات المحلية من النشاط التعديني في مختلف مراحله وقد زارت الصحيفة سوق الذهب غرب سودري الذي تأسس في منتصف عام 2009م ويشتمل السوق على الطواحين والصياغ، والتقت مجموعة من المعدِّنين داخل أول خيمة تم نصبها لتأسيس هذا السوق الذي أصبح فيما بعد كأحد أهم الأذرع والشرايين التي تغزي خزينة المحلية. الشيخ دفع الله موسى الذي يعمل صائغًا في سوق سودري قال إنه ظل يعمل في شراء الذهب من القادمين من مناجم ودعة وعشير ومن حلة نورين وكانت الكميات الواردة من هناك لا بأس بها ولكن الإنتاج في الفترات الأولى يصل إلى خمسة كيلو يوميًا من الذهب الخالص، ومن ثم كانت الإيرادات التي تكسبها المحلية كبيرة، وقتها كان هذا السوق في أعلى مستويات الانتعاش الأمر الذي كان له الأثر المباشر في تحسين ظروف المعيشة للمواطنين لكن للأسف الشديد هذه العائدات لم تنعكس على مستوى الخدمات العامة من صحة وتعليم ومياه وكهرباء ولكن الإنتاج الأعلى للذهب يأتي من منطقة أم بادر التي يتراوح إنتاجها اليومي بين (15 20) كيلو من الذهب. إلا أن الشيخ دفع الله أشار في حديثه ل(الإنتباهة) إلى بعض السلبيات التي أوجزها في هروب الأطفال من المدارس إلى التعدين ووجود بعض المخاطر التي قد تصل مرحلة الجريمة التي تُرتكب ضد تجار الذهب، كما حدث قبل أشهر قليلة، حينما اعتدت مجموعة مسلحة على بعض التجار الذين كانوا في طريقهم من الخرطوم إلى سودري وقتل اثنان منهم.. وقال الصائغ دفع الله إنهم كتجار ذهب يطالبون وزارة المعادن بزيارة هذه المنطقة ووضع الضوابط اللازمة التي تنظم هذا النشاط، وأن تتبنى هذه الوزارة إقامة بنك في سودري وذلك للحد من جرائم المال والذهب، أو أن يبادر بنك السودان بشراء الذهب مباشرة من المعدِّنين، كما نطالب وزارة الصحة بالولاية والسلطات المحلية الأخرى بأن تخصص جزءًا من عائدات هذا السوق لإصحاح البيئة والتنظيم. أما الصائغ عبد الله بلة وصاحب أول خيمة في سوق سودري فقال للصحيفة إن عدد الصياغ هنا بلغ أكثر من مائة صائغ يشترون الذهب الوارد إليهم في شكل حجارة ثم يطحن ويغسل ويباع بواقع 40 جنيهًا للجرام والآن ارتفع السعر إلى 240 جنيهًا للجرام، إلا أن المواطنين هنا يتساءلون عن الرسوم التي تأخذها المحلية من العربات التي تدخل سوق سودري ومحملة بالحجارة التي تصل شهريًا تقريبًا إلى 120 مليونًا إلى جانب 200 جنيه تؤخذ من كل خيمة شهريًا علمًا أن عدد الخيم أكثر من 100 خيمة بالسوق، كما أن المحلية تأخذ مبلغ 102 جنيه كرسوم شهرية أخرى لأكثر من 150 حوضًا لغسيل الذهب، وعبَّر كل الذين استطلعتهم (الإنتباهة) من تجار ومنقبين وعمال عن أن كل هذه الرسوم التي تدفع للمحلية لا تنعكس على الواقع الخدمي سواء كان على مستوى السوق أو منطقة سودري عمومًا.